على مدى عقود احتل متغير الأمن موقعا مرموقا في مزايا الجذب الاستثماري الذي تتمتع به المملكة. ولطالما تغنينا بهذه الميزة مقارنة بدول المنطقة التي تعاني كل واحدة من مشاكل كثيرة، لا يتسع المجال لذكرها أو الخوض فيها.
ولعب تمتع المملكة بالاستقرار الداخلي والخارجي دورا رئيسيا في ترويج الأردن كبلد جاذب للاستثمار، ما ساهم بقدوم كثير من رؤوس الأموال التي استقرت عندنا وأسهمت بزيادة الإنتاج وتشغيل الأيدي العاملة.
إلى اليوم ما يزال الأردن يتمتع بهذه الخاصية، بيد أن الجدل القائم محليا حول الأصول والمنابت وحالة العنف والاحتقان وعدم الرضا عوامل تسهم بتفتيت البلد، وتوليد خلافات كبيرة بين أهلها، تهدد بزوال سمة الطمأنينة من قائمة المزايا التي امتلكتها المملكة على مدى سنوات طويلة.
ما يحدث يضر بالوحدة الوطنية، ويعصف بالنسيج الاجتماعي، ولا يخدم أجندة الوطن، بل يصب في تنفيذ أهداف أخرى تسعى لإضعاف هذا البلد وتهشيمه من أجل خدمة مآرب لا نعرف في مصلحة من تصب.
وما يحدث ليس مقلقا ويدفع إلى البال أسئلة حول المستقبل الذي نتطلع إليه ونحلم به لأولادنا وللأجيال المقبلة فحسب، بل ويولد خوفا مما هو آت، إذ إن استمرار تعالي هذه الأصوات المفرقة لا الموحدة ينخر في جسد البلد، ويقتل إمكانات أبنائه الذين هم كنزه الحقيقي وأداته في طريق التنمية والتغيير.
ويمكن القول إن الحديث على أساس "الأصول والمنابت" والتصريحات السلبية التي يطلقها كل طرف تجاه الآخر، انعكاس جديد للفراغ السياسي والاقتصادي الذي تتركه الدولة، نتيجة عدم وجود برنامج ورؤية حكومية للواقع المجتمعي، ورغبات سياسية ملموسة بالإصلاح الحقيقي، الأمر الذي يتطلب خطوات ومبادرات رسمية حقيقية تنهي حالة الاحتقان التي تتعاظم يوما بعد يوم، ويتم التعبير عنها بمختلف الطرق والوسائل.
ولملء الفراغ ندعو الحكومة إلى عقد ملتقى وطني يجمع أطياف المجتمع المختلفة، ليضع أسسا واضحة للحوار؛ بحيث يلتقي المختلفون عند نقاط وسط ترضي الجميع، ولا تسيء لسمعة الأردن الآمن المستقر وتهدد نسيجه الاجتماعي.
فبقاء الحال على ما هو عليه يشي بأن الحالة ستتفاقم، وستخرج عليها أشكال جديدة من الأزمات لا ندري إلى أين ستأخذنا، أو كيف سينتهي بنا الحال في ظل تفاقم حالة العنف المجتمعي، واتساع رقعة الفقر وتزايد أعداد العاطلين عن العمل وغياب العدالة وحرية التعبير.
البلد لا يحتاج إلى جدل عقيم، بل إلى حوار موضوعي، لتقريب وجهات النظر، لا لتوسيع الفجوة والفرقة بين الناس، فهذا آخر ما نحتاجه في ظل الظروف الإقليمية المقلقة، فالحوار قادر على الخروج باتفاقات تضمن السلامة وتجعل الأردن قويا متماسكا لا هشا وضعيفا.
سمة الأمن والاستقرار التي تميزنا بها على مدى عقود لم تأت من فراغ، ولها أرضية محلية خصبة، فما يوحِّد الجميع أكثر مما يفرقهم، ما يبقي علينا هذه النعمة التي تقدرها الشعوب الأخرى التي عانت من الآثار المدمرة للفرقة.
تحقيق الطموحات الاقتصادية والأمل بحياة أفضل ومستوى معيشي لائق يحتاج إلى بقاء هذا البلد آمنا مستقرا.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد جمانة غنيمات صحافة