كثيرة هي قصص المستثمرين الذين جاءوا إلى الأردن بنيّة الاستثمار، وخرجوا منه من دون أن يضعوا فلسا واحدا، واتجهوا بملايينهم لدول أخرى وفرت لهم بيئة أكثر راحة ويسرا لتسيير أعمالهم.
وعندما تسألهم لمَ غادرتم الأردن؟ يجيبونك بعبارات تمدح المملكة كبلد مضياف ومرحب بالضيوف ويقدم طبق المنسف الطيب الطعم، لكن الكلام الجميل ينتهي بعد ذلك، وتحديدا عندما يبدأ العمل الجاد لإتمام المشروع.
المعيقات التي تجعل أصحاب الأموال يعودون أدراجهم من حيث أتوا، مختلفة ومنها ما يرتبط بكبار المسؤولين الذين ما يزالون يعتقدون أنهم أهم من المستثمر، وأن خدمة هذه الشريحة وتسهيل أعمالها ليست من ضمن مهامهم.
وتختلف المشاكل التي يواجهها المستثمرون تبعا لحجم الاستثمار الذي يفكرون بإقامته، وتحديدا في علاقتهم المباشرة مع المسؤولين، وما يلبث المستثمر أن يشد الرحال هربا من الشروط.
ونزولا في السلم الوظيفي، يجابه المستثمر بأوجه أخرى من المعيقات التي تتعلق بموظف القطاع العام، حيث لا يدرك معظمهم أهمية المستثمر للاقتصاد الوطني، باعتباره طوق النجاة من كثير من المشاكل الاقتصادية ذات الأثر الاجتماعي، وتحديدا في قضايا البطالة والفقر.
ومن دون أن يدري وانطلاقا من عقليته المؤمنة بأن المستثمر شخص "انتهازي" جاء لتحقيق مكاسب على حساب البلد، تجد الموظف يتعامل معه بأساليب مستفزة ومسيئة.
إذ يعتقد الموظف في قرارة عقله أن المستثمر جاء لـ "نهب البلد وخيراته"، وغاب عن ذهنه تماما أن القطاع الذي يعمل به لم يعد قادرا على توفير فرص العمل لأبنائه من بعده.
وانطلاقا من هذا المنطق المشوّه، يسهم الموظف الصغير كما الكبير تماما في تنفير المستثمر من العمل والاستقرار في الأردن.
قبل أشهر حكى لي مستثمر أميركي من أصل أردني أنه جاء إلى الأردن بمهمة أوكلتها إليه شركته الأم في الولايات المتحدة لاختيار دولة في منطقة الشرق الأوسط لإنشاء مصنع للطابعات الحبرية برأسمال 50 مليون دينار، لتكون مركزا لنشاط الشركة في المنطقة.
الأردني/ الأميركي وبرغبة شديدة منه في تقديم شيء لوطنه الأم جاء لزيارة المملكة، وراجع الوزارات والمؤسسات المعنية بالاستثمار لحسم قراره بخصوص موقع المصنع، بيد أن المعاملة السيئة التي قوبل بها، جعلته ببساطة يغير رأيه، ويقرر أن يتجه لدولة عربية أخرى من أجل تحقيق مهمته.
معيق آخر يواجه المستثمرين ويكمن في ارتطامهم بطريقة تفكير الغالبية العظمى من الناس حيال رجال الأعمال، حيث تلعب هذه المسألة دورا في تنفير البعض من إقامة استثماراته لدينا، إذ تشي الثقافة الشعبية بنظرة سلبية تعتقد أن المستثمر مجرد شخص مستغل لا يقدم ولا يؤخر ولم يسهم أبدا في حل مشاكل. ويمكن القول إن هذه القناعات لم تأت من فراغ، بل جاءت عقب تجارب كثيرة مع المستثمرين واستثماراتهم وتحديدا العقارية، التي لم تحقق أي مساهمة تذكر في تحقيق التنمية المطلوبة، والتي تصنف ضمن قائمة استثمار النمو لا استثمار التنمية.
الأخطاء السابقة تعلم دروسا في الكيفية المناسبة في التعامل مع المستثمرين، لنتجاوز خطايا الماضي، ونتمكن من استقطاب استثمارات حقيقية وتنموية تسهم بحل المشاكل وتغير القناعة لدى العامة بأن الاستثمار قادر على إحداث تغيير فشلت حكومات متعاقبة في تحقيقه.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد جمانة غنيمات صحافة