قراءة موازنات العقد الماضي والتدقيق في شخصيات وزراء المالية الذين تعاقبوا على شغل منصب وزير المالية، يحرضان العقل على التفكير في ماهية وزير المالية الذي نريد، وتحديدا في هذه المرحلة العصيبة على المالية العامة.
وتداول بعض قصص وزراء المالية السابقين، وطرقهم في إدارة هذا الملف شديد التعقيد والحساسية، يعيد إلى الذاكرة بعض المواقف لوزراء مالية سابقين.
وظل من بقوا بعدهم في العمل العام يتحدثون عن صلابة شخصياتهم وكشرتهم التي تضع حاجزا قويا بينهم وبين الآخرين، لتقدم نموذجا لوزير المالية المطلوب.
ومما يحكى أن وزيرا للمالية كان على خلاف مع جميع زملائه من أعضاء الحكومة، نتيجة رفضه الدائم ومنقطع النظير لكثير من طلباتهم المالية، بغض النظر عن المبررات التي يسوقونها.
في زمن ليس ببعيد أيضا، كان لوزير المالية حق "الفيتو" حول اتخاذ قرار من عدمه حيال مشاريع وخطط، والمبرر واحد والرد لا يختلف ومن دون نقاش "لا يوجد مخصصات".
احترام قانون الموازنة العامة وعدم الالتفاف عليه، أيضا يعد من أهم الخصال الواجب توفرها في وزير المالية، ففي السنوات الأخيرة بتنا نشهد كثيرا من الالتفافات على قانون الموازنة العامة، من دون حسيب أو رقيب.
وما يزال الناس يذكرون كيف التفت الحكومة السابقة على قرار مجلس النواب بتخفيض قيمة نفقات الموازنة للعام 2009 بمقدار 10 %.
القفز على قرار النواب تم من قبل المسؤولين الذين تمكنوا بطريقة أو بأخرى من تمرير الموازنة من دون الالتزام بقرار النواب، الأمر الذي أوقعنا بمشاكل مالية لم يتعافَ منها الاقتصاد حتى اليوم.
وزير المالية المثالي، هو من لا يرضخ لأية ضغوطات مهما كانت، لاسيما إذا ما علم أن استجابته للضغط ستخلق خللا في موازنته وتحديدا في جانب النفقات، التي تتمثل في النهاية بعجوزات موازنة تتوارثها الميزانية من عام إلى عام.
وان يتمتع وزير المالية بتفكير دقيق ورؤية واضحة مهم للغاية، فالدقة مسألة أساسية في تقدير حجم الإيرادات المتوقعة بناء على معادلات اقتصادية تقيس مستوى النشاط الاقتصادي ومعدلات النمو المتوقعة، وفقا لمعطيات واقعية، وبعيدا عن الأحلام.
فوزير المالية الحالم، يضر أكثر مما ينفع، ووزير المالية غير الدقيق وغير المنضبط يحمّل البلد أكثر مما يحتمل، وتقود حساباته المغالية في التقديرات إلى مصائب ومصاعب، لا ندري متى وكيف نتخلص منها؟
والحرفية في عمل وزير المالية تحتاج إلى شخصية واقعية، تبني الأرقام بناء على وقائع وحقائق، بعيدا عن أية حسابات شخصية لترضية فلان أو علان.
والفهم العام لطبيعة الاقتصاد واحتياجاته التنموية، من المهارات المطلوبة في شخصية وزير المالية، بحيث يوجه المخصصات في خدمة التنمية المستدامة، بدلا من ضياع الأموال في أوجه إنفاق لم ندرك لها فائدة حتى اليوم.
نريد وزير مالية يحرص على المال العام، ويدرس كل بند من بنود موازنته، ولا يضيّع فلسا واحدا من أموال دافعي الضرائب، في الهدر والإنفاق بلا جدوى ولا طائل.
حساسية المهمة التي يؤديها أي وزير للمالية تتطلب مواصفات محددة في شخصيته، بحيث يكون حازما، وحاسما، ودقيقا، وغير مجامل، وأهم من كل ما سبق أن يكون بكشرة ترعب كل من تسوّل له نفسه التطاول على المال العام وإضاعته بلا مبرر.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جمانة غنيمات  صحافة