تفاجأ الأردنيون بأن الحكومات كانت تستوفي منهم هامشا ربحيا أو سعريا، كما يحلو للحكومة تسميته، بمعدل 10 % على البنزين كإجراء احترازي تجاه تقلبات أسعار النفط العالمية منذ شباط (فبراير) 2008.
28 شهرا مرت على تحصيل الهامش السعري، والمواطن لا يعلم أنه يدفع هذه المبالغ، وظل سر التحوط مكتوما وغير معلن، حتى قررت الحكومة فرض ضرائب خاصة على البنزين قبل نحو شهرين.
ورغم أن أسعار النفط مرت فعليا بتقلبات أقلقت المواطن الأردني الجالس على صفيح ساخن، إلا أن أحدا لم يفطن خلال العامين الماضيين إلى تعديل آليات احتساب أسعار المحروقات، للتخفيف عن الناس الذين أرهقتهم الأسعار وباتوا قلقين من تدهور مستواهم المعيشي في ظل الظروف الاقتصادية التي تتردى يوما بعد يوم.
وخلال سنوات تحصيل الهامش الربحي، ظل المواطن صابرا ومتحملا لـ"لسعة" أسعار المحروقات، لكنه اليوم يحترق بنار أشد، بعدما عرف أن أموالا كثيرة دفعها من دون علمه لم تنفق لحمايته ودعم صموده في وجه أسعار النفط.
معادلة التسعير المطبقة منذ أكثر من عامين شهدت تشكيكا متكررا في كيفية الاحتساب، وكانت المطالبات بوضع آلية أبسط وأوضح للتسعير مستمرة.
بيد أن ردود المسؤولين في كل مرة كانت تؤكد أن الآلية دقيقة وصحيحة، وليس ثمة مبالغة في الأسعار وأن الكلفة المحلية ما هي إلا انعكاس للأسعار العالمية.
حجم المبالغ التي جنتها الخزينة من جيوب المواطنين غير معلوم، لكنه بالتأكيد يبلغ ملايين الدنانير، رغم أن محدودي الدخل وأولئك الذين تشبثوا ليبقوا ضمن شرائح الطبقة الوسطى، أحوج له من الخزينة.
ومعرفة المواطن أن حكوماته كانت تفرض الضرائب وتنفقها بلا جدوى، تعمق فجوة الثقة بين الطرفين، التي اتسعت بشكل مقلق على مدى عقود بعد أن خذلت الحكومات الفرد، وسددت له ضربات متوالية، جعلت الناس تشكك بكل النوايا الحكومية التي تهدف إلى خدمة المواطن والارتقاء بمستوى معيشته.
واليوم، تشير المعلومات إلى أن تعديل أسعار المشتقات النفطية لن يتم يوم الخميس المقبل، حيث قررت الحكومة تأجيل التعديل مدة أسبوع، حتى لا تتزامن زيادة التعرفة مع بداية شهر رمضان.
نوايا الحكومة وإن كانت طيبة، إلا أنها تؤسس لخلل جديد سيرافق عملية التسعير التي يتوجب تطبيقها كل 30 يوما، حيث سينسحب الفرق الزمني خلال الشهر الحالي على باقي الشهر.
ما حدث في الماضي، وما هو متوقع حدوثه اليوم، والثغرات التي تعاني منها سياسة التحوط تجاه القمح التي تفتحت بعد ارتفاع اسعار القمح عالميا، كلها أسباب تفرض مراجعة سياسات التحوط، بحيث تكون شفافة، وواضحة، وتصب في مصلحة المستهلك، وليس أية جهة أخرى.
ففكرة الهامش السعري جاءت لحماية المستهلك من زيادات كبيرة ومفاجئة على أسعار النفط، وتحوط القمح تم لتخفيف آثار تقلب تعرفة هذه السلعة عالميا وتوفير كميات آمنة من القمح وحماية الخزينة من كلف اضافية يسوقها ارتفاع اسعار القمح، فهل تحقق الهدف؟.
عيوب سياسات التحوط تتكشف وسط حالة الارتباك التي تعيشها الأسواق العالمية، ما يؤكد أن سياسات التحوط لدينا ارتجالية وغير مدروسة حتى لحظة كتابة هذه السطور.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جمانة غنيمات  صحافة