لسنا أسرى قد نُحرّر في يوم ، بل نحن سجناء مدى الحياة لدى هذه الأجهزة الصغيرة التي لم تعد الحياة بدونها طبيعية ، وقد غفلت للحظة عن الضغط على زرّ للحفاظ على أرشيف أسماء معارفي ، وضغطت على زرّ آخر ، لينتهي معه كلّ هؤلاء الذين حفظت أسماءهم مع أرقامهم وبريدهم الالكتروني في هاتفي النقّال المتطوّر المتقدّم الرائع الكريه،.

عليّ الآن ، إذن ، أن أعيد بناء ذاكرتي عبر هذا الجهاز مرّة ثانية ، أو ثالثة ، والغريب هنا أنّك لا تعرف أرقام أقرب المقرّبين لك ، وأحياناً تجهد حتّى تتذكّر رقم هاتفك نفسه ، وتصوّر أنّك ذهبت في رحلة ونسيت أن تأخذ معك هاتفك النقّال ، وكم ستحمل من القلق بأنّ أمراً ما فاتك ، أو أنّك بتّ بعيداً عن العالم.

كان محمود درويش صديقنا العظيم الراحل يطلب من الموجودين إغلاق هواتفهم الخلوية عند مجالسته ، وظلّ يؤكّد أنّه لن يحمل هاتفاً خلوياً في يوم من الأيام ، ولكنّني وجدته يحمله في يوم فشمتّ به ، وقلت: هذا جهاز لا يمكنك الاستغناء عنه ، فردّ بطريقته الساخرة: بالفعل فقد يحميني من الموت باتّصال واحد مع طبيبي،.

لقد بتنا أسرى هذه الأجهزة الصغيرة التي باتت بديلاً عن عقلنا وذاكرتنا ، وبدون آلة حاسبة لن يستطيع تاجر أن يعمل ، وبدون كومبيوتر محمول لن يستطيع صحافي أن يعمل ، وقس على ذلك في كلّ مكان ، والله يسترنا من المقبل.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باسم سكجها   جريدة الدستور