يعتقد بعض المفكرين والسياسيين الإسرائيليين مثل النائب أفشلوم فيلان بأن ثمة فرصا لحرب أهلية في إسرائيل قائمة على الانقسام الكبير في المجتمع الإسرائيلي بين المتدينين والعلمانيين، واحتمال الصدام المسلح بين الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين، وهناك انقسامات أخرى عميقة بين الإثنيات اليهودية المتعددة والمختلفة وبخاصة الانقسام التقليدي والتاريخي بين الشكناز(اليهود الغربيون) والسفارديم (اليهود الشرقيون).
يقول النائب فيلان إن اليمينيين المتطرفين يمثلون تهديدا وجوديا لإسرائيل، فهم يمنعون إقامة مجتمع ديمقراطي، ويمثلون خطرا على إسرائيل أكثر من العرب، وإذا أتيح لهم السيطرة على إسرائيل بالانتخابات أو بالقوة فإنهم سيقودونها إلى النهاية أو ما يسميه الخراب الثالث للهيكل، ويصف الجماعات المتدينة والاستيطانية المتطرفة مثل غوش أمونيم بأنها حركات أصولية مسيحانية أكثر مما هي يهودية، ويستشهد بحادثة اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين، وهي جماعات عقائدية تعمل بدأب وبدافعية كبيرة معتقدة أنها تعرف الصحيح لدولة إسرائيل، وأنها الوحيدة على قيادة إسرائيل بدلا من هؤلاء المترهلين في تل أبيب، ولأجل ذلك فإنها يمكن أن تلجأ إلى أية وسيلة.
المتدينون، وفقاً لفيلان، لن يتنازلوا عن مواقفهم وآرائهم بسهولة، ولن يكون ثمة مناص في النهاية من مواجهتهم بالقوة، أو أن تخضع الحكومة لهم وتغض الطرف عن سلوكهم وبرامجهم المتطرفة والخطرة على إسرائيل والإسرائيليين.
ونقلت الصحافة الإسرائيلية عن قادة في جهاز الأمن الإسرائيلي(الشاباك) عن تنظيمات عسكرية سرية تحشد المئات، وتخطط لاغتيال مسؤولين إسرائيليين في حال إقدام الحكومة على خطوة يعارضونها مثل إخلاء المستوطنات أو الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمشكلة الأكبر أن هذه الجماعات العسكرية هي أيضا خارج سيطرة جماعات المتدينين والمستوطنين المتطرفين، فهي أكثر عنفا وانغلاقا، وتعمل بسرية كبيرة.
وبالطبع فإن الحديث عن حرب أهلية أو وصف هذا الصراع بأنه حرب أهلية يبدو مبالغا فيه وفق هذه المعطيات على الأقل، ولكن الصراع المسلح والانقسام السياسي أمران واردان جدا، وهما في دولة صغيرة متوترة وقلقة يمثلان خطرا كبيرا لا يقل عن الحرب الأهلية، فدولة مثل إسرائيل وفي ظروفها قد لا تحتمل مثل هذا الانقسام والصراع، وقد تحدث فوضى سياسية وانهيارات في المؤسسات السياسية والإدارية والأمنية.
وربما يكون من السيناريوهات المتوقعة أن يعاد تشكيل وصياغة الصراع والمجتمع في إسرائيل ليتحالف المعتدلون الإسرائيليون مع الفلسطينيين في مواجهة اليهود المتطرفين واليمينيين.
يتوقع أن يتركز اهتمام اليمينيين الإسرائيليين على القدس والأماكن المقدسة الأخرى مثل الحرم الإبراهيمي في الخليل، وستكون رمزيتها الدينية لدى اليهود مدخلا لتجمع كبير مؤيد لهم في مواجهة الحكومة ومشاريع السلام والانسحاب، وقد يكون صعبا على الجيش تنفيذ مهماته في إخلائهم أو اعتقالهم، وقد تنتشر أعمال شغب ومواجهات مع الجيش والشرطة في أنحاء المدن والمناطق.
إذا أطلق هؤلاء المتدينون والمتحمسون والمقتنعون حتى النخاع بمواقفهم وأفكارهم النار على الجنود فقد تحدث مواجهة اضطرارية ربما تتطور إلى صراع حقيقي وكارثي، إن اللجوء إلى السلاح عندما يحدث في إسرائيل سيطلق العفاريت من القمقم، وقد يحدث ما هو أسوأ من الحرب الأهلية.
ومن السيناريوهات المتوقعة في حالة حدوث أزمة داخلية تصاعد الهجرة الإسرائيلية إلى الخارج، ولكن النوع الأخطر من الهجرة الإسرائيلية واليهودية عندما تنشأ في وسط النواة الصلبة لإسرائيل، وهي مجموعة سكانية من حوالي مليون نسمة يشكلون العمود الفقري للمجتمع والدولة والاقتصاد في إسرائيل، ويحملون فعليا على عاتقهم دولة إسرائيل، فسوف يجد هؤلاء صعوبة بالغة في دفع أبنائهم إلى حرب أهلية وسيجدون من الشاق عليهم البقاء في إسرائيل في جو من الحرب التي فرضتها أقلية متطرفة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد