ما يجري من تجمع للأحزاب السياسية وربما اندماجها إنجاز كبير، لكنه لن يحقق أمرا يذكر في الحياة الحزبية السياسية. فالأحزاب السياسية (في الأردن) ليست مشكلتها في العزوف عن عضويتها، ولن يغير الحال أن تستطيع اجتذاب آلاف أو عشرات الآلاف المواطنين إلى عضويتها لأن مشكلة الأحزاب وعزوف الناس عن عضويتها يعود إلى أن العملية المنظمة للحياة السياسية غير قائمة على التنافس الحزبي لأجل تشكيل الحكومة، فالحالة لا تختلف عن توافر السيارات، ولكن لا توجد طرق تمشي عليها، ولن يغير الحال أن يقبل المواطنون على شراء السيارات.
تفعيل الأحزاب السياسية وتطويرها يبدأ بوجود تشريعات انتخابية وسياسية قائمة على تنافس الأحزاب على الأغلبية البرلمانية ثم إسناد الحكومات للحزب أو الائتلاف الحزبي المغطى بأغلبية نيابية، وبغير ذلك فإن التنمية السياسية وتشكيل الأحزاب وقوانين الأحزاب تنطبق عليها مقولة "شايف الضبع ويقص أثره". 
فالخطوة الأولى والبديهية في تفعيل الأحزاب والتنمية السياسية وجود تشريعات للانتخاب وتقاليد للعملية السياسية تجعل البرلمان هو أساس تشكيل الحكومات، وهذا هو المبرر التطبيقي للانتخابات النيابية، وبغير ذلك فإنها(الانتخابات النيابية) لا تختلف عن الاحتفال بعيد الشجرة!
وهذا يفسر ببساطة عدم قدرة الأحزاب السياسية الوسطية والمؤيدة للحكومة على اجتذاب النواب والنخب السياسية والاقتصادية القادرة على التأثير في البرلمان والمشاركة في صياغة العملية السياسية، لكن عندما تتشكل تقاليد وحياة سياسية تسند إلى الأحزاب تشكيل الحكومات، وعندما تتقدم الكتل والقوائم والأحزاب السياسية إلى المواطن لانتخابها في البرلمان ستتجمع القيادات والجماهير والقوى السياسية وتحشد الأعضاء والأصوات، وتبرز قيادات سياسية مهمة، ويتشكل حراك يقدم قادة الرأي والعمل العام ويدربهم، وتظهر أجيال من السياسيين وقادة العمل العام، ولكن كيف سيقبل المواطنون على الأحزاب وهي لا تقدم ولا تؤخر شيئا، ولا تضر ولا تنفع.
تعتبر الأمم المتحدة(برنامج الأمم المتحدة الإنمائي) الحياة الحزبية أحد المؤشرات المهمة على التنمية البشرية لأنها يفترض أن تضمن العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والرقابة العامة على السلطات، ولكن السماح للأحزاب بحرية العمل العلني والتشكل دون فرصة لها للوصول إلى السلطة التنفيذية ودون تشريعات وسياسات تنجح وتحقق الأهداف الأساسية المفترضة للأحزاب يجهض التنمية البشرية، ولذلك فقد وضع البرنامج الإنمائي معايير للانتخابات، ومنها على سبيل المثال: تكون قناعة لدى الجمهور بأهمية القضايا الانتخابية عن طريق حملات التنشئة المدنية والحملات الاعلامية، وإعداد برامج لتشجيع المشاركة، تستهدف بخاصة النساء والشبان والأميّين والأقليّات المحرومة، وإعلام المرشحين والأحزاب السياسية وكل شخص معني آخر، بما ينبغي معرفته عن العمليات الانتخابية، ووضع الأنظمة التي ترعى العمليات الانتخابية، والتحقيق في المخالفات المزعومة لقانون الانتخاب وتطبيق العقوبات المناسبة، ودراسة السياسة الانتخابية والمسائل المرتبطة بها.
وحددت الأمم المتحدة أهدافا ومبادئ للجهاز الانتخابي قائمة على الاستقلالية والحياد والاحتراف، بحيث يدير الجهاز الانتخابي العملية الانتخابية في بيئة سياسية مع الامتناع عن إصدار قرارات أو القيام بمبادرات ذات طابع سياسي، وفي بعض البلدان كما في بابوا-غينيا الجديدة وجنوب أفريقيا، يكفل الدستور استقلالية الأجهزة الانتخابية، ويجب أن يتمتع الجهاز الانتخابي بالكفاءة وثقة الأحزاب السياسية والقدرة على تقديم المعلومات وإعلان النتائج دون الإضرار بأي حزب أو مرشح، وأن تُتاح إمكانية إخضاع العمليات لمراجعة دقيقة وأن تكون في متناول جميع المشاركين، ويجب أن توضع أنظمة فعّالة لتدارك عمليات التزوير في الانتخابات، وأن يكون ثمة قانون لمكافحة المخالفات بحيث يدرك جميع المشاركين العقوبات المرتبطة بكل تصرُّف غير مناسب.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد