تكمن أهمية أي دراسة في أنها تثبت أو تنفي نظريات وتحليلات يقدمها البعض حيال قضية شغل الرأي العام.
بعض هذه التحليلات يرتبط بما اصطلح على تسميته بجرائم الشرف، حيث كان معظم التحليلات يصب في أن الظروف الاقتصادية الصعبة ودرجة التعليم تلعبان دورا في ارتكاب جرائم بحق النساء بدافع الذود عن الشرف.
والمنطق يؤكد أن جميع أنواع الجرائم والمخالفات وصنوف العنف المجتمعي يمكن أن يقع في بيئة الفقراء، ليس لأنهم مجرمون بالفطرة، بل لأن ظروفهم وأحوالهم الصعبة تشكل مناخا مناسبا لاقتراف الجرائم.
وهؤلاء ليسوا مجرمين بقدر ما هم ضحايا للحالة الاقتصادية الصعبة، وعجز الحكومات المتعاقبة عن التخفيف من حجم مشكلتهم.
فالفقر ليس نقص المال، وتدني مستوى الدخل ما دون خط الفقر البالغ 57 دينارا للفرد شهريا، بل هو تدني التعليم ومستوى الوعي الذي يرتقي بطريقة تفكير الإنسان وتعامله مع الأشياء.
والفقر هو توفر شعور دائم بالقهر الذي يعيشه الفرد نتيجة ضعف حيلته تجاه الوفاء بالتزاماته لمن هو مسؤول عنه.
والعوز هو عجز شاب أعزب عن تحقيق أمله في بناء أسرة نتيجة البطالة التي تقتل رغبته في العيش أحيانا، وتجعله بيئة خصبة للاحتقان والغضب وعدم الرضا عن مجتمع لم يوفر له الحد الأدنى من الأمن الاجتماعي.
وكل ما سبق هو تحليل ونظريات، بيد أن هذه الأفكار أثبتتها دراسة حديثة لمركز المعلومات والبحوث، أكدت أن 64 % من مرتكبي جرائم الشرف فقراء، فيما 71 % من الضحايا هم فقراء أيضا.
الدراسة أكدت أن 67 % من مرتكبي جرائم الشرف يعملون في وظائف مختلفة، بينما 33 % متعطلون عن العمل، و16 % منهم لا يعملون، و12 % طلاب، و5 % متقاعدون.
الدخل يعد أيضا مؤشرا مهما على إمكانية وقوع جريمة، فكلما قل دخل الفرد زادت احتمالية ارتكابه للجريمة، حيث أشارت الدراسة الى أن 56 % ممن ارتكبوا الجرائم كان دخلهم الشهري يقل عن 450 دينارا.
الدراسة أيضا التفتت إلى مسألة التعليم ودوره في الارتقاء بمستوى وعي الفرد، وطريقة تفكيره ومعرفته لحقوقه، التي تسهم بشكل فعال في تخفيض عدد الجرائم، حيث أوضحت الدراسة أن تعليم 62 % من الضحايا كان أقل من الثانوية العامة، و30 % ثانوية عامة، و6 % دبلوم، و2 % أنهين البكالوريوس.
وساهمت التحولات والإصلاحات الاقتصادية التي طبقت خلال السنوات الماضية بتعميق المشاكل الاقتصادية للفقراء، الذين تضرروا كثيرا من الإصلاح الذي استثنى الأثر الاجتماعي السلبي من حساباته. ويظهر أيضا أن الضغوط التي تعرضت لها الطبقة الوسطى من تبعات سلبية أدت إلى تآكلها بعد أن انزلقت شريحة واسعة منهم إلى ما دون خط الفقر، خصوصا وأن هذه الطبقة هي المحرك الرئيسي للتغيير والإصلاح في المجتمعات التي تتطلع للتقدم والنماء.
وأظهرت دراستان إحداهما للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالتعاون مع المركز الاستراتيجي في الجامعة الأردنية تحت عنوان "سيادة القانون: أمان المواطن وأمن الوطن"، والأخرى لمركز المعلومات والبحوث أن العلاقة وثيقة بين جرائم الشرف والفقر.
وطالما بقيت رؤيتنا الاقتصادية على حالها سنظل نشهد مزيدا من العنف والجرائم، التي لا يخففها إلا تحسن المستوى المعيشي للأردنيين، وتخفيف معدلات الفقر والبطالة. وسنظل ندور في حلقة من العنف تتشعب يوما بعد يوم وتكبر، ما يهدد بحالة انفلات اجتماعي وتكاثر لجرائم اقتصادية تحت غطاء الشرف.
المراجع
alghad.com
التصانيف
جريدة الغد جمانة غنيمات صحافة