منذ مطلع العام انخفض مؤشر السوق المالي بمعدل 6 %، فيما تراجعت القيمة السوقية للبورصة بنسبة 2.9 %، وأدى هذا التراجع إلى تكبد كثير من المستثمرين لخسائر كبيرة اضطرت بعضهم للخروج من السوق.
حالة الضعف التي تعاني منها البورصة يعكسها بشكل كبير تدني حجم التداول فيها، حيث بلغ 6.7 بليون دينار، مقارنة بما قيمته 9.7 بليون دينار خلال العام 2009.
والسوق المالي ليس سوى قطاع في منظومة القطاعات الاقتصادية الأخرى التي تأثرت بالأزمة المالية، مع فارق أن البورصة هي مرآة لأوضاع الشركات الحقيقية.
وفي السوق 277 شركة مساهمة عامة، وقيمة أسهمها السوقية تفوق الناتج المحلي الإجمالي وتبلغ حوالي 21.9 بليون دينار، وتشكل ما نسبته 122 % من الناتج المحلي الإجمالي والبالغ 21 بليون دينار.
وكثيرون يسألون عن أسباب بطء تعافي السوق خلال العام الماضي، والعوامل التي حالت دون إحراز تقدم في هذا المجال.
الملاحظ أن بعض الشركات واصلت النزول على مدى العام، وظلت قيمة أسهمها بين مد وجزر، إلا أنها لم تتمكن من التحليق والخروج من الأزمة، نتيجة أحوالها المتردية خارج السوق بسبب المشاكل الكبيرة التي تعاني منها إدارات هذه الشركات.
أما الشركات القوية ذات الملاءة المالية العالية والأحوال الجيدة والتي عانت مشاكل غير مرتبطة بمعايير الإدارة لديها، فكان تراجعها مرتبطا بالحالة العامة وليس لأسباب موضوعية وأخطاء ارتكبتها في الماضي.
وتحسن أداء السوق المالي مرتبط بوضع حلول جذرية لمشاكل بعض الشركات، لا سيما وأن الشركات الصحية والخالية من المشاكل (إن صح التعبير) تمكنت من رفع قيمة أسهمها مثل الفوسفات والبوتاس، فيما فشلت أسماء كبيرة رغم محاولاتها المتكررة في انتشال أسهمها؛ والسبب مرتبط بها وليس بأداء السوق. وكلنا يعلم أن زيادة سعر سهم بعينه يرتبط بشكل رئيس بالأنباء التي ترد حول شركته، حتى وإن تأثر بشكل عارض بمجريات السوق ككل ومؤشره العام المتراجع.
والسعي لتحسين السوق يتطلب معالجة الأخطاء التي ارتكبتها الشركات خارج السوق وعدم السكوت عليها ووضع حد لممارساتها السلبية، لأن تحسن السوق مرتبط بشكل كبير في مستوى عمل الشركات خارج السوق وليس داخله.
وفي هذا السياق سأسرد واقعة حدثت في السوق خلال الفترة الماضية تدلل على مسلكيات يجب وقفها، وإلا ستجر كثيرين لمشاكل لا تحمد عقباها وتؤدي بشكل مباشر إلى انتكاسة جديدة في السوق. ما حدث أن إحدى الشركات قامت برفع رأسمالها، بمقدار 50 مليون دينار، توزعت على مستثمر محلي حصل على 80 % من الزيادة، وما تبقى لمستثمر خليجي. حتى الآن يبدو الخبر عاديا، ولكن ما حدث أن المستثمر المحلي لا يملك أموالا للحصول على حصته، فقدم أراضي تعود ملكيتها لشركة أخرى شقيقة لشركته، مقابل الحصول على الأسهم.
وتم له ذلك، وفي الأثناء طلب المستثمر من هيئة الأوراق المالية استخدام الأسهم لتعزيز موقفه المالي في أكثر من شركة وساطة، شريطة عدم بيع الأسهم، وقد وافقت الهيئة أملا منها بتحسين السوق. بيد أن المستثمر عاد من جديد لممارساته الخاطئة، وقام بتسجيل ما معدله 8 % من الأسهم الجديدة باسم أشخاص في السوق ضمن اتفاق خارجي معهم، بنية بيعها ومخالفة الاتفاق مع الهيئة، فإلى متى سنشهد مثل هذه المسلكيات.
إدارة البورصة تتحمل جزءا من مسؤولية تراجع المؤشر ولكن ليس كلها، وتقصير الهيئة مرتبط بضعف الرقابة على بعض الشركات، وتقديم استثناءات لبعضها الآخر، ما يعمق مشكلة هذه الشركات ويجعل من المستحيل معالجة مشاكلها، طالما أن البورصة جعلت من نفسها أحد المنقذين لهذه الشركات من خلال منحها فرصا لتحقيق السيولة التي تحتاجها لحل مشاكلها من داخل السوق وليس من خارجه.
الأصل في الأشياء أن تضخ الشركات فائض السيولة لديها في السوق، وما يحدث لدينا اليوم هو العكس تماما، ما يعقد مسألة البورصة ويحول دون حل مشاكلها. السوق المالي سيستعيد عافيته حين يتحسن أداء الاقتصاد الحقيقي، وتحل الشركات مشاكلها بنفسها، وحينما يبدأ الاقتصاد بالتعافي ونلحظ انعكاس معدلات النمو على القطاعات الاقتصادية ستتحسن البورصة ويرتفع مؤشرها.
المراجع
alghad.com
التصانيف
جريدة الغد جمانة غنيمات صحافة