وأخيرا بدأ سد الوحدة يكتمل، وسيكون بمقدورنا إن شاء الله البدء بتخزين مياه نهر اليرموك هذا الشتاء، وقد بدأت فكرة السد عام 1964 ليكون مشروعا عربيا يتيح للأردن وسورية الاستفادة من مياه اليرموك والتي كانت تتدفق بمعدل 500 مليون م3 سنويا، بحيث يحصل الأردن على حصته من المياه، وظل المشروع يؤجل وينسى، ثم بدأت سورية بمشروعات كبيرة للري في حوض اليرموك وروافده حتى انخفض معدل تدفق المياه إلى 160 مليون م3، وكان قد جرى اتفاق عام 1987 على تقاسم مياه النهر بين الدولتين لتكون حصة الأردن 80 مليون م3 سنويا، وإن كان لا يحصل على هذه الحصة المقررة لتزايد الضخ الجائر في حوض اليرموك وبسبب العجز عن الاستفادة من المياه الفائضة في فصل الشتاء.
الآن وقد اكتملت الاستعدادات الفنية لاستيعاب المياه الجارية في النهر وفيضانات الشتاء، وتوقفت الحجة بأن الأردن لا يمكنه الاستفادة من حصته، فيفترض أن يبدأ الأردن بالحصول على حصته من النهر، وقد اتفق بالفعل مع الجانب السوري على أن يبدأ في هذا الموسم التخزين المتزامن للمياه، وأغلقت بوابات السد وبدأ السد يحجز المياه الضئيلة المتدفقة في مسار النهر، وسيكون السد في مرحلة مستقبلية قادرا على تخزين 225 مليون م3 ويمكن توليد طاقة كهربائية بمعدل 18800 ميغاواط/ ساعة، تستفيد منها سورية بشكل أساسي، وجرى بناء السد بمواصفات وتقنيات تزيد كفاءة السد وتمنع حدوث أخطاء سابقة مثل الانهيارات والتسرب والتطورات الجيولوجية غير المنظورة، كما حصل في سد الموجب على سبيل المثال.
سيزود السد عمان والرزقاء بحوالي 50 مليون م3 لأغراض الشرب، وسيزود المزارعين بحوالي 30 مليون م3 تروي مساحة من الارض تزيد على 30 ألف دونم، وفي سنوات الخير ربما يكون ممكنا توفير كميات من المياه أكثر من ذلك، فالمهم أن نكون مستعدين لهذه الفرصة عندما تأتي.
ثمة فرصة كبيرة لإقامة مشروعات سياحية كبيرة ومميزة في منطقة السد، فالمنطقة جميلة جدا ومطلة على وادي الأردن واليرموك وطبرية شمال فلسطين (الجليل)، وهي ذات قيمة تاريخية عالية جدا (معركة اليرموك وحطين) وتلائم السياحة الشتوية والصيفية أيضا، ويبدو أنه تجري بالفعل في سورية استعدادات لإقامة مشروعات سياحية في الجانب السوري من منطقة السد تتضمن حدائق وشاليهات ومسابح.
برغم الواقع المائي الصعب فإننا لم نصل بعد إلى مرحلة من الإدارة المائية الكافية للاستفادة من الموارد المائية المتاحة، ولم نصل بعد إلى مرحلة تجنب الهدر والتدمير للمصادر المائية والتي هي ابتداء قليلة وعزيزة، وبالطبع فإنها مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمجتمع والشركات أيضا، وإذا كانت السدود تمثل إنجازا مهما على مستوى العمل الرسمي فإن المسلكيات المجتمعية مع المياه تحتاج إلى مراجعة مهمة، وسنصل حتما إلى مرحلة لن يكون بمقدرونا زيادة شيء على وسائل إدارة وتنظيم الموارد المائية، وستكون البدائل مثل تحلية المياه مكلفة جدا.
يحتاج المواطنون لاستعادة الأدوات التقليدية في تجميع مياه الأمطار لأنها أقل كلفة وأكثر فاعلية بالنسبة للأسر والأفراد والحيازات الزراعية الصغيرة والبعلية، ونحتاج أيضا لتجنب تسرب المياه من الشبكات، وهدرها وسرقتها، وإذا كان صحيحا ما يتناقل عن هدر المياه وسرقتها والتهرب من دفع أثمان المياه فإننا أمام قضايا خطيرة يجب اعتبارها ضمن "أمن الدولة"، وبغير هذا التعاون والوعي التام لإدارة المياه فإن فاعلية بناء السدود وتوزيع المياه ستنخفض بنسبة مؤثرة، وفي المقابل فإنه يمكن توفير مئات الملايين بقواعد من السلوك والعمل البسيطة والتي لا يمكن تحقيقها بغير تعاون المواطنين ووعيهم وثقافتم المائية والسلوكية المتقدمة.
لم يعد هذا الحديث ترفا أو مجرد إرشادات تبث في وسائل الإعلام، لكنه سلوك ونمط حياة يجنبنا الكوارث ويضمن المستوى المأمول من الرفاه والراحة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد