عادت الكونغو من جديد تحتل مساحات واسعة في الاهتمام العالمي السياسي والإعلامي، فهي دولة تعبر عن مثال صارخ ومحزن لبلد غني بالموارد الطبيعية من المياه والزراعة والغابات والألماس والكوبالت والنحاس والنفط، ولكنه يعاني من الفقر والاستبداد والحروب الأهلية والهيمنة والاحتلال في أبشع صيغه وأشكاله.
عندما اكتشف المستعمرون البرتغال الكونغو كانت تقوم فيها حضارة مزدهرة وغنية، ولكن ذلك الاكتشاف جاء على حوض نهر الكونغو بالحظ السيئ، فقد تحولت المنطقة إلى مسرح لتجارة العبيد، واستولي على الأراضي والبلاد لاستغلال الذهب والنحاس والمعادن المتوافرة فيها على حساب الأهالي وأصحابها الأصليين.
وخضعت الكونغو لاستعمار بلجيكي طويل، وعندما تشكلت حكومة مستقلة بقيادة لومومبا عام 1961 والذي كان يقود أقوى الحركات الوطنية والسياسية في الكونغو، ويحظى بشعبية واسعة، وقد خاض مواجهة قوية مع الاستعمار البلجيكي أدت إلى اعتقاله، ثم أفرجت السلطات الاستعمارية عنه لتتفاوض معه في بروكسل، فنقل من السجن إلى بروكسل بالطائرة، وتم الاتفاق على استقلال الكونغو وإنهاء ثمانين عاما من الاستعمار البلجيكي.
ولم تنعم الكونغو بالاستقلال سوى أسبوعين، فقد دخلت في سلسلة من الأزمات لم تتوقف حتى اليوم، ووجدت حكومة لومومبا نفسها تواجه أزمات كبرى: تمرد عسكري في الجيش، وانفصال إقليم كتانغا أهم إقليم في الكونغو بدعم من بلجيكا، واضطرابات عمالية.
وقرر لومومبا دعوة قوات الأمم المتحدة للتدخل لمساعدته على توحيد الكونغو وتحقيق الاستقرار، ولكنها تدخلت ضده، وانفض عن لومومبا عدد من حلفائه الأساسيين بدعم أميركي وبلجيكي، واستغل موبوتو رئيس هيئة الأركان هذه الفوضى فاستولى على السلطة عام 1961 في انقلاب عسكري هو الأول من نوعه في أفريقيا في ذلك الوقت، وألقي القبض على لومومبا واثنين من أهم رفاقه، وفقا لكتاب نشر في هولندا ألفه لودو ديفيت بعنوان "اغتيال لومومبا"، واعتمادا على وثائق بلجيكية سرية حصل عليها المؤلف، فإن لومومبا اعتقل ونقل ورفاقه إلى سجن بلجيكي في سيارة جيب يقودها ضابط بلجيكي.
ودخلت الكونغو منذ عام 1994 في حروب وصراعات أهلية مريرة شملت البحيرات العظمى، وذهب ضحيتها عدة ملايين من المواطنين الأفارقة، وتمكن الثائر كابيلا من الإطاحة بنظام موبوتو العتيد عام 1997، ولكن كابيلا دخل على الفور في مواجهة تمرد قوي وعنيف.
كان لوران كابيلا(الأب) قائد الجناح الشبابي في حركة لومومبا في الستينيات، وبعد الانقلاب تزعم حركة معارضة لموبوتو -قائمة أساسا على قبائل التوتسي- حاولت إسقاطه بالقوة العسكرية، وخرج إلى زنجبار، وتلقى مساعدات من الدول الشيوعية في أفريقيا والعالم، وقد شاركه العمل في أفريقيا مائة ثائر كوبي بقيادة جيفارا القائد الماركسي المشهور الذي انتقد سلوك كابيلا "البرجوازي" والمتعالي على الفلاحين الأفارقة.
ووجد كابيلا الفرصة مناسبة في أواسط التسعينيات عندما اشتعلت أزمات كبرى في منطقة البحيرات الأفريقية، فأعاد تنظيم قواته من القبائل الأفريقية، وكان واضحا أنه يمتلك إمكانات مالية وعسكرية ضخمة جدا لم تتح لأي دولة في المنطقة.
وانتصرت قوات كابيلا على موبوتو ودخل إلى زائير، وأعاد تسميتها "الكونغو" كما كانت قبل موبوتو، وبرغم أنه يساري سابق يدعي الولاء لـ "لومومبا" وأشرك ابنة لومومبا "جولين" في حكومته(فرانسوا أحد أبناء لومومبا معارض لكابيلا) فإن كابيلا أعاد سيرة موبوتو في الفساد وانتهاك حقوق الإنسان وتهيئة السلطة لابنه من بعده، فأعدم آلاف الأشخاص خارج نطاق القضاء، وطرد أكثر من ثلاثمائة قاض من مناصبهم، كما ظل الدستور معلقا، واعتقل المئات من المدافعين عن حقوق الإنسان وأصحاب المواقف السياسية، ومنع أكثر من مائتي سياسي من ترشيح أنفسهم للانتخابات الرئاسية، وقتل الآلاف من المدنيين العزل، ولكن يبدو أن خصومه نجحوا في زرع مؤيديهم بين المقربين إليه، فقتل على يد قائد حراسه في 16/1/2001.
أما جوزيف كابيلا الإبن الرئيس المنتخب، فقد عمل بعد تخرجه من جامعة واشنطن الدولية إلى جانب والده، ليخلفه في الحكم، ثم يعاد انتخابه قبل أيام قليلة.
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد