ثمة طريقة فعالة ومنطقية لاستعادة المساجد من الدخلاء والمتطرفين، وهي ببساطة ووضوح أن يؤدي المسؤولون وبخاصة الوزراء والحكام الإداريين ورؤساء البلديات ومسؤولي الأوقاف والتعليم والأمن الصلاة في المساجد وبانتظام وبخاصة صلاة الجمعة.
ويمكن أن تكون صلاة الجمعة عادة ثابتة للوزراء والمحافظين والحكام الإداريين في المساجد الرئيسة في مناطق عملهم، وأن يجلسوا لنصف ساعة في المسجد للسلام على إمام المسجد والمصلين، والاستماع لملاحظات الناس وطلباتهم، وقد يتلقون عرائض مكتوبة من المواطنين، فتتحول صلاة الجمعة إلى لقاء اجتماعي وشعبي مفيد ومهم، وتجعل من المسجد وصلاة الجمعة مركزا لعمل رسمي ومعايشة لما يدور.
بهذه الطريقة سيجد أئمة المساجد أنفسهم في قلب عملية تنموية وإدارية ويشكلون جزءا منها، وستبدأ الصلاة والخطبة تتخذ وجهة مناسبة لاحتياجات الناس ومعاشهم وما يلزمهم.
ولكن الحالة القائمة على عزلة كثير من المسؤولين عن اتجاهات الناس والمجتمعات المحلية وعاداتهم وثقافتهم ستجعل المساجد بؤرا معزولة عن المجتمع والحكومة، وإذا كان المسؤولون غير قادرين على هذا العمل أو لا يتحملونه فهم بحاجة لأن يتذكروا أنهم وكلاء للناس والمجتمع الذي ائتمنهم ويدفع الضرائب لتمويل عملهم ورواتبهم.
هذه العزلة بين المسؤولين والمجتمعات المحلية تفسح المجال للتيارات والجماعات والاتجاهات المختلفة للنشاط والعمل لتكون بديلا لقيادات حكومية غائبة، وتمنع تنافس الأفكار وتطورها أيضا. فعندما ينشط المسؤولون في الحضور بين الناس في المساجد فإن خطاب الجماعات والتيارات الإسلامية سوف يتجه تلقائيا لتطوير نفسه ليكون قادرا على المنافسة والاستقطاب، وستنشأ بيئة من الحوار والمعرفة الميدانية للمسؤولين على أفكار الناس والدعاة والمصلين تساعد على التصحيح وتقلل الاحتقان والعداوة والشعور بالتهميش والعزلة. وعندما يجد الناس أنهم قادرون على إيصال صوتهم وشكاواهم وملاحظاتهم للمسؤولين بسهولة وبساطة، وهذا حق دستوري واضح للمواطنين يؤكد عليه الدستور بصراحة، فإن كثيرا من أسباب التطرف والفهم الخاطئ للإسلام والسياسات العامة ستعالج.
ولا يعقل أن يكون المسؤولون، على الأقل الذين يقوم عملهم على التعامل المباشر مع المواطنين وإدارة شؤونهم ومشكلاتهم، ينتمون إلى نمط من التفكير والسلوك مختلف عن المواطنين أو مناقض لهم، فلا يكون المسؤول الميداني والحاكم الإداري واحدا من الأغلبية المحيطة به ممن يذهبون إلى المسجد، ولكنه من أقلية لا تكاد تعيش في المجتمع المحيط بها، ولا يعقل بعد ذلك أن نطالب الناس والأئمة والدعاة والوعاظ من وراء السحاب بعمل ومواقف وأفكار لا ندركها تماما.
لنفترض أن مجموعة المسؤولين ذات الاتصال والمسؤولية المباشرة بحدود المائة شخص(وزراء الخدمات الأساسية، والحكام الإداريون، ومسؤولو الأوقاف والتعليم والأمن في المركز والمحافظات) سنحصل على مائة لقاء شعبي واجتماعي وثقافي أسبوعيا، أي أنه سيكون لدينا خمسة آلاف لقاء سنوي، وإذا كان أحد المرافقين للمسؤول أو هو بنفسه أعد مذكرة من صفحة واحدة عن ذلك اللقاء تتضمن أهم الملاحظات والأفكار التي استمع إليها فسوف نحصل على"دليل استماع" سنوي يتضمن قدرا واسعا من الأفكار والمدخلات التي تحقق أهداف التنمية والإصلاح وتعطي المسؤولين معرفة واسعة، بما يفكر به المواطنون ويحتاجون إليه، وبلا تكلفة أو جهود وأوقات إضافية، سنحتاج للحصول عليها على طريقة مؤتمرات الفنادق والسكرتاريا والتنظيم والعلاقات العامة المتبعة إلى خمسمائة مليون دينار، إذا قدرنا لكل لقاء ينظم في فندق يحضره مائة شخص حوالي مائة ألف دينار، وأعتقد أنه رقم يمثل الحد الأدنى من التكلفة إذا تجاهلنا أيضا العمولات والمكافآت والتوريدات المضافة وشبكة الأعمال القائمة حول، وعلى هامش مثل هذه الاحتفالات/ المؤتمرات.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد