ثمة إشكال تثيره تسمية "إسلامي" و"وسطي" يؤدي إلى لبس في التسمية والمصطلح والفكرة والمنهج والوصف، وخلط بين النص وتفسيره وفهمه. وقد أدى هذا الالتباس مع الزمن إلى عدم القدرة على التمييز بين الثوابت والمُثل والفلسفة، وبين موقعها ومرجعيتها، وإبطالها وإعمالها. وتحتاج الحركات والاتجاهات والجماعات والحكومات "الإسلامية" أن تراجع كثيرا من التسميات ودلالاتها، وفهمها وامتلاكها أيضا.
التسمية بـ"إسلامي" أو "وسطي" هي التسمية التي ظهرت مؤخرا للتمييز بين جماعات وأفكار "إسلامية" مختلفة ومتعددة، وبخاصة بعد صعود الحركات والجماعات "الإسلامية المتطرفة والمسلحة" التي تسلك سلوك العنف والتطرف، أو للتعبير عن الاختلاف عن التيار الإسلامي العام "مدرسة الإخوان المسلمين"، مع أنه بعامة يغلب عليه الوسطية والاعتدال، لكن نشأت لدى أفراد وجماعات "إسلامية" تحفظات واختلافات مع هذا التيار يغلب عليها أنها تنظيمية وسياسية أكثر مما هي فكرية وفلسفية.
وبالطبع، فإن الحركات والمؤسسات تتسمى بأفضل الأسماء وأجملها، أو ما تعتقد أنه يعبر عن مرجعيتها ومُثلها وقيمها العليا، مثل الإسلام، والوسطية، والإصلاح، والعدل، والحرية، والديمقراطية، لكنها أسماء وقيم ومرجعيات ومُثل لا تصلح أن ينتسب إليها تيار أو جماعة، بمعنى أنها منهج تطبيقي معرّف ومميز عن غيره، فنقول مثلا: التيار الإسلامي، أو الديمقراطي، أو الوسطي، أو تيار العدل، أو تيار الحرية، لأسباب عملية وتطبيقية واصطلاحية، فهذه المرجعيات والقيم والمثل ينتسب إليها أو يزعم الانتساب إليها جميع التيارات والأحزاب والجماعات، ويحق لأي شخص أو حكومة أو حزب في الدول العربية والإسلامية أن يصف نفسه بأنه "إسلامي" حتى غير المسلم، أو "وسطي"، ولا تقدم هذه التسمية صفة مميزة للمنتسبين إليها تجعل الدارس أو المحلل يقدم فهما لها يميزها عن غيرها، فجميع الأحزاب والحكومات والجماعات في العالم الإسلامي هي إسلامية، المعتدلة منها والمتطرفة، الحكومية والمعارضة، السرية والعلنية، السلفية والصوفية، لأنه ينتسب إليها مسلمون أو مواطنون في الدول الإسلامية، ويؤمنون بها مرجعية أو شريعة ومنهجا، ولا يستطيع التيار الوسطي، على سبيل المثال، أن يزعم أنه وحده المعني بالآية الكريمة "وكذلك جعلناكم أمة وسطا"، أو المفاهيم الوسطية المستمدة من الكتاب والسنة، فهي أفكار ومبادئ يعتقد جميع المسلمين، حتى جماعة القاعدة، أنهم مشمولون بها ويؤمنون بها ويدعون إليها "كل على شاكلته ووجهته".
وليس المطلوب هنا أن تتخلى الجماعات والحكومات والتيارات عن تسمياتها هذه، ولا عن مرجعيتها ومُثلها، ولكنها مرجعيات وقيم ومُثل وفلسفات ونصوص ومبادئ، يفترض أن تستمد منها منهجا مميزا ومحددا، تزعم أنها تختلف به عن غيرها. وهي هنا عندما تفعل ذلك ستكون يمينية أو يسارية أو وسطية، محافظة أو ليبرالية، معتدلة أو متشددة، وستبقى في جميع الأحوال والمواقف والاختلافات إسلامية. ومن ثم، فإن ما تقدم به نفسها أو تعرف به هو منهجها العملي، وموقفها في سياسات الحكم والإصلاح والإدارة.
وبالطبع، فإن المثل والمرجعيات والفلسفة تنشئ وجهات نظرة متعددة ومختلفة يمكن ملاحظتها، فالاختلاف ليس على القبول بالثوابت أو رفضها، ولا إبطالها أو إعمالها، ولكنه اختلاف في التفسير والتطبيق. وقد دار في الأردن جدل إعلامي وسياسي حول ضريبة الدخل، ويدور اليوم جدل حول "التأمين الصحي"، وهي مناسبة لملاحظة الرؤية التطبيقية للإسلاميين والوسطيين الإسلاميين على تعددهم، وتقديم الأفكار والمواقف حول الضريبة وتوزيعها وتحصيلها، والتأمين الصحي وإدارته وتنظيمه، ودور الحكومة والمجتمعات والقطاع الخاص في ذلك.
وهكذا، فإننا بحاجة إلى أن نتجاوز الجدل الطويل والممل حول المبادئ والأفكار العامة، لننتقل إلى مسائل من قبيل العمل والضرائب والتعليم والرعاية الصحية والاجتماعية والبيئة والحكم المحلي، وتمكين المجتمعات، والمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص، وأن يعاد تنظيم المجتمعات والنقابات والفئات الاجتماعية والمهنية وفق مصالحها في هذه القضايا، وأن تتنافس الأحزاب والاتجاهات، وفي مخاطبة الناس والرأي العام، حول جدوى السياسات المختلفة وأهميتها.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد