"لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب  ولا ينال العلا من طبعه الغضب"
يكفي أن تطالع الصحف أو تسمع وتلاحظ ما يدور في الحياة اليومية لتدرك الحجم الكبير للفساد، والذي لن تحل مشكلته هيئة مكافحة الفساد، ولن تطاله كل التشريعات مهما كانت جادة، لأن الفساد أكثره ليس مخالفة أو جناية محددة وواضحة، وهذا النوع من الفساد لا يحتاج إلى تشريعات وسياسات جديدة فالقائم منها يكفي لو طبق لمواجهته، فالمشكلة ليست في غياب التشريعات وإن كانت تحتاج لتطوير وتحديث، ولكن في الحزم والعدالة والجدية والرغبة في تطبيقها.
يبدأ الفساد في غياب العدالة وينتهي إليها أيضا، العدالة في توزيع الفرص والتنافس عليها والتي يفترض أن تؤول إلى إسناد الوظائف والأعمال والعطاءات والتوريدات والبعثات والمكافآت والحوافز والأعمال والصلاحيات والمسؤوليات والمشاركة والتأهيل في القطاعات العامة والخاصة والمجتمعية إلى مستحقيها وفق قواعد منضبطة وواضحة للاختيار والتنافس والترقية.
تكاد الأسماء التي ترد في الأخبار كل يوم تشير إلى العلاقات والخلفيات التي جاءت بأصحابها إلى مواقعهم، ولا يمكن القول إن الأسماء والأخبار التي يقرأها المواطن في الصحف أو المعلومات التي يسمعها وتصل إليه تدل على أن الوظائف والأعمال والمؤتمرات والبعثات والمكاسب المتداولة، الصغيرة والكبيرة، العامة والخاصة والمجتمعية تخضع للتنافس على أساس عادل من الكفاءة والاستحقاق.
ومن هنا تتشكل طبقة تكاد تكون مغلقة تماما ولا يمكن الدخول إليها إلا بالتسلل، وتسيطر على الفرص والقرارات والنفوذ والمؤسسات والإعلام والسياسة والجمعيات واللقاءات والبعثات، وتتحكم في الاختيار والإبعاد أيضا، والمبنية غالبة على الشللية والمصالح الفاسدة والتبعية والقرابة. وبالمناسبة فإن الواسطة بمفهومها العام والخدمي هي أقل المداخل في اكتساب الفرص ولا تتجاوز الخدمات التي هي حق للمواطن يفترض الحصول عليه بلا واسطة، أو التعيين في وظائف صغيرة، والعشائرية أيضا فإنها على عكس الفكرة السائدة لا تشكل مدخلا في صناعة النخب وإنتاجها ولا الحصول على الفرص والمكاسب، بل إن النخب المهيمنة تتعمد تحميل الواسطة والعشائرية مسؤولية الفساد للتغطية على فسادها المتمأسس والمتمكن.
هذه الطبقة هي التي ستحارب الفساد! وهي التي ستصمم التشريعات والسياسات والقرارات! هل يعقل أن تعبر عن مصالح المواطنين وفئاتهم الاجتماعية والمهنية؟ وهي لا تنتمي إليهم؟
تظهر دراسات جامعية أجريت بالجامعة الأردنية أن 80.6% من أعضاء مجلس الأمة والوزراء بين عامي 1951 – 1992 هم من خريجي الجامعات الغربية ومن سكان المدن، وأن هناك درجة عالية من الاندماج تقترب من الإغلاق بين أعضاء الدائرة الداخلية للنخبة الاقتصادية، مثل عضوية مجالس الإدارة والنوادي والمؤسسات العامة والشركات، وأن 85% من أعضاء النخبة يعرفون بعضهم معرفة شخصية، 72% منهم مرتبطون مع بعضهم بعلاقات اجتماعية، وأكثر من نصف الوزراء (52%) يتولون الوزارة للمرة الثانية أو أكثر، ونسبة عالية من الصفوة الصناعية الجديدة من بيروقراطيي الدولة في الوقت الذي اتجهت فيه الحكومة إلى الخصخصة.
وتبلغ نسبة الاتجاه الليبرالي بينهم 67% برغم أن نسبتهم في النخبة السياسية أقل من 9% وأما نسبتهم في المجتمع أو قدرتهم على النجاح في انتخابات نيابية أو نقابية أو بلدية فتدل عليها النتائج أو نسبة إقدامهم عليها ابتداء، وما الحاجة إلى الاحتكام إلى الانتخابات والفرص تأتي من دونها؟
وتبقى الانتخابات النيابية تشكل نقطة إيجابية في إيصالها عددا كبيرا إلى النخبة السياسية على أسس مختلفة وعادلة، فمجلس النواب يتجدد بنسبة 70% وتأتيه مجموعات كبيرة من غير ذوي الخلفيات القائمة على المال والقرابة والمنصب.
ولكن ما علاقة بيت الشعر الوارد في بداية المقال بالموضوع؟ لقد كانت الارستقراطية العربية على مدى التاريخ مرتبطة بامتلاك أخلاق مؤهلات شخصية قائمة على الحلم والشجاعة والكرم وانتفاء الرذائل وأهمها الحقد الذي لا يصلح صاحبه أن يكون كبيرا، وتلك مقالة أخرى.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد