نزع ألغام موازنة 2012
أرقام المالية العامة ستكون صادمة بالتأكيد لوزير المالية أمية طوقان، وتحديدا ما يتعلق بالقيم الحقيقية لعجز الموازنة والمديونية العامة، ما يعني تعقيدات كبيرة في هندسة موازنة العام المقبل.
حجم الموازنة للعام الحالي تجاوز مبلغ 7 مليارات دينار، وإذا ظل بناء الموازنة يعتمد ذات الأسس فقد نجد أنفسنا أمام موازنة تتضخم سنويا بدون مبرر أو أسباب توجب ذلك، وتؤدي إلى تدهور الحالة الاقتصادية وتصبح مع الأيام مؤشرا خطرا يهدد بالانفجار في أية لحظة.
وتعقيدات إعداد الموازنة والتشوهات تكمن في شقي الموازنة المتمثلين بالإيرادات والنفقات، حيث أن التفكير بتقدير طرفي الموازنة أمر في غاية التعقيد في ظل المعطيات الحالية والمؤشرات القائمة.
فيما يتعلق بالإيرادات، يبدو أن تقدير قيمة الإيرادات المحلية الجزء الأصعب في ظل حالة التباطؤ التي يمر بها الاقتصاد، والمتوقع أن تتعمق خلال العام المقبل، حيث تشير التوقعات إلى أن تحقيق معدلات تصل إلى 3.5 % سيتم بشق الأنفس، إن لم يكن هدفا صعب المنال، في ظل الحالة العامة التي تسيطر على الاقتصاد العالمي والإقليمي.
ومثل هذا الظرف يشي بإمكانية تراجع الإيرادات المحلية التي تنخفض أو ترتفع تبعا لحالة النشاط التي تعيشها القطاعات الاقتصادية المختلفة، ما يعني إمكانية تراجعها بشكل كبير يضعف من قدرة الموارد المحلية على تغطية النفقات المتوقعة.
وترجيح تراجع موارد الخزينة المحلية يفرض ظلاله على الموازنة، إذ لا يجوز تحت أي ظرف من الظروف أن نعود لممارسة لعبة قديمة جديدة تتمثل بالمبالغة في حجم الإيراد بعيدا عن المعطيات الحقيقية، وهو أحد أسباب الفشل الاقتصادي، والذي ينفضح بعد أشهر قليلة من العام الجديد، ويلقي بانعكاسات كبيرة وخطيرة، تتسبب بزيادة العجز نتيجة تراجع الإيراد على المقدر.
التفاؤل غير المبرر في هذا البند أضر بشكل كبير بوضع المالية العامة لدينا، لا سيما وأنه قاد إلى التوسع في حجم النفقات الذي ارتبط بشكل كبير بعدم دقة تقدير الإيراد. والقرار الصحيح أن يتم بناء موازنة العام المقبل بناء على تقديرات أقرب إلى الحقيقة، حتى إن كانت سلبية، حتى نبدأ بعلاج مشاكلنا المستعصية.
وحتى السير على الطريق الصحيح، المطلوب الالتزام بهدف تخفيض نسبة العجز إلى 3 % من الناتج المحلي خلال 3-4 سنوات، على أن يتم تنفيذ ذلك بالتدريج وإيجاد آلية مؤسسية تضمن تحقيق ذلك وإدامته، إلى جانب الحد من نمو حجم الموازنة، والالتزام الدقيق بقانون الدين العام والحد من اقتراض المؤسسات المستقلة سواء بكفالة الحكومة أو بدونها. وعلى وزارة المالية ربط الإنفاق الحكومي بعدد من المعايير الاجتماعية مثل أعداد المستفيدين من برامج المساعدات والتوزيع الجغرافي ليتمكن صانع القرار من تقدير كفاءة استخدام المال العام.
ومن المهم في هذه المرحلة وقف الهدر في المشتريات الحكومية، خاصة من الأسواق الخارجية، كالأدوية والمعدات والتي تضيع مبالغ طائلة وبشكل سنوي على الخزينة، إضافة إلى الاستعانة بخبرات ضرورية لبناء قدرات مؤسسية لتحقيق ذلك.
الشق الثاني في الموازنة يتمثل بالنفقات، وهذه أيضا عانت من علل كثيرة على مدى سنوات طويلة قادت المؤشرات الخطيرة التي نعاني منها اليوم، وتحديدا ما يتعلق بالنفقات التي لا تخضع لرقابة ديوان المحاسبة، والتوزيع العشوائي للنفقات بدون أسس وبعيدا عن التوجيه السليم للأموال الذي يؤدي إلى تحقيق معدلات نمو حقيقية تنعكس على مختلف القطاعات وعلى مستوى التنمية والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطن.
العيب الآخر الذي يعاني منه بند النفقات العامة يتمثل بالنفقات الطارئة التي لم تؤخذ بالحسبان عند إعداد خطة الدولة المالية، وتحديدا في مجال التوظيف والنفقات الجارية التي تأتي تبعا لضغوطات شعبية تتسبب بإرهاق الموازنة العامة.
وضبط النفقات يتطلب اتخاذ قرارات شجاعة بالتوقف عن البدء بمشاريع جديدة ذات القيمة المضافة المنخفضة، ولا ضير من اعتماد التخطيط المالي متعدد السنوات والبدء بتنفيذ دراسات لتقييم أثر المساعدات والقروض ومدى استجابتها للحاجات الوطنية.
هذه خطوط عريضة لبناء موازنة صحية، ومن الضروري أخذها بعين الاعتبار حتى يتسنى نزع بعض ألغام الموازنة العامة التي تعد مرآة للوضع الاقتصادي للدولة، وليس لوزارة المالية وحدها.
بقلم جمانة غنيمات.
المراجع
alghad.com
التصانيف
جريدة الغد جمانة غنيمات صحافة العلوم الاجتماعية الآداب