كانت تجربة كلينتون في الحكم في الولايات المتحدة تجربة اجتماعية وثقافية عالمية أيضا، وربما تشغلنا عنها قضية الصراع العربي الإسرائيلي، فإذا تجاوزنا(لأغراض الدراسة والتحليل) مواقف كلينتون (والذي يبدو اليوم معتدلا بالنسبة لخليفته بوش) وسياساته تجاه المنطقة إلى برنامجه الاجتماعي والثقافي الذي قدمه إلى الشعب الأميركي ونجح على أساسه بين عامي 1992 – 2000 ثم حوله إلى رؤية عالمية، وهي"الطريق الثالث" مازالت تشغل العالم، وقد تكون أحد أهم مكونات مستقبله، وهذا ما تدعمه كثير من الوقائع والدراسات والاتجاهات الفكرية والاجتماعية في العالم.
تعد "المحاسبة الاجتماعية" أهم ما يميز البرامج التطبيقية للطريق الثالث، والقائمة على استيعاب التحولات الاقتصادية والسياسية بما يوظفها اجتماعيا، ويجعلها مصدر قوة للمجتمعات والطبقات الوسطى والفقيرة.
وفي كتابه الذي نشره فيما بعد بعنوان "رؤية للتغيير: الناس أولا" قدم كلينتون الأساس الفكري لبرنامجه الاجتماعي الذي انتخب على أساسه، وربما يكاد يكون المضمون السياسي لبرامجه مهمشاً أو غائباً.
ويتكون برنامجه من الفصول التالية: الأولوية للناس، استراتيجية التغيير، الزراعة، الإيدز، الحد من الأسلحة، الفنون، إصلاح تمويل الحملات الانتخابية، الأطفال، المدن، الحقوق المدنية، مسؤولية الشركات، الجريمة والمخدرات، التحول عن صناعات الدفاع، الأميركيون المصابون بعجز، التعليم، الطاقة، البيئة، الأسرة، فرض رقابة على البنادق والأسلحة، الرعاية الصحية، الإسكان، الهجرة، العمل، الأمن القومي، كبار السن، القضاء، التجارة، المحاربون القدماء، الإعانة الاجتماعية، العمل، المرأة.
ويبدو واضحاً في النظر في عناوين هذه الفصول الطابع الاجتماعي كما يبدو أيضاً واضحاً الاتجاهات الجديدة الإبداعية في التنمية، والفلسفة الجديدة للحكم، مثل مسؤولية الشركات، وتطوير الإعانة الاجتماعية نحو التمكين والتعزيز بدلاً من المعونة المهينة، وإعادة تخطيط المدن، وحماية الطبقة الوسطى، والالتفات إلى الفوارق الكبيرة بين الفقراء والأغنياء.
يقول كلينتون: لقد أدت سياسات الحكم السابقة إلى زيادة غنى الأغنياء، ومعاناة الطبقة الوسطى، الناس الذين يكدحون ويلتزمون بالأصول، فقد أعطوا للحكومة ضرائب أعلى بكثير مما أخذوا. لقد عجزت واشنطن عن إعطاء الأولوية للناس، فلا عجب أن حققت الولايات المتحدة الأميركية أسوأ سجل اقتصادي في خمسين عاماً.
ومن المبادئ والاستراتيجيات التي وضعها كلينتون للحكم والإدارة:
- دعم التعليم المستمر طوال العمر بالجمع ما بين الآباء والأطفال، وتحسين المدارس، وتدريب خريجي المدارس الثانوية، وتزويد كل مواطن بالفرصة للالتحاق بالجامعة، وإعادة تدريب العمال.
- توفير رعاية صحية ذات جودة ويمكن تحمل تكاليفها، وإتاحة الفرصة لجميع الناس في الحصول على التغطية الطبية الأساسية، والعدالة الضريبية للطبقة الوسطى ومطالبة الأثرياء بدفع حصة عادلة.
- تشجيع أخلاقيات التعلم في المنازل، وإعادة تدريب العمال وإلزام جميع أرباب العمل بتخصيص موازنة لتدريب جميع العاملين وليس المديرين فقط، والعناية بالأطفال بتأمين الرعاية الطبية لهم، واستحداث شبكة شاملة لصحة الأمومة والطفل، والعمل على تقليل وفيات الرضع، وعدد الأطفال قليلي الوزن، وتمويل برامج النساء الرضع، وتشجيع برامج التعليم المنزلي في سن ما قبل المدرسة، ومواجهة التسرب من المدارس، وتطوير التعليم المهني، ومواجهة العنف ضد الأطفال، وتوفير الأمن للمدارس، وإنشاء عيادات مدرسية، وبرامج توعية للطلاب حول المخدرات والإيدز، وتأييد السياسات المناصرة للأسرة والطفولة..
- دفع الشركات للمساهمة في التنمية بتوسعة الملكية في أسهمها للعاملين فيها، ومنع الاستثمار المضر بالبيئة، وإعادة تنظيم مواقع العمل، وإلزام الشركات بالضمان الاجتماعي، وإجازات الأمومة، والتدريب، والتأمين الصحي، وتخفيف التلوث، وإعادة تدوير النفايات لاستخدامها مرة أخرى.
- جعل امتلاك منزل لكل أسرة حقيقة واقعة.
- إعادة موضعة مشروعات الأعمال الصغيرة لتأخذ موقعاً محترماً في سلم الاقتصاد، بتخفيف تكاليفها، ومنحها إعفاءات ضريبية، وتدريب العاملين في هذا المجال، وزيادة الصادرات من هذه المشروعات، وضمان تجارة عادلة، ودفع هذه المشروعات وتشجيعها على الانتشار في الريف.
- تشجيع الادخار ومساعدة محدودي الدخل على تنمية دخولهم بالتدريب والتشجيع والاقتراض. وتسهيل حصول المواطنين على العمل.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد