الصدمات التي تصيب الأردنيين، الواحدة تلو الأخرى، ليست هينة وتجعلهم في حالة من التيه، متسائلين عن الأسباب التي قادت مجتمعهم إلى هذه الحالة من الميل للعنف والغضب الذي يترجم بشكل يومي بشغب هنا وعنف هناك.
ولأن ذاكرتنا ضعيفة وسرعان ما تتبخر، فعلينا أن نتذكر المشاكل التي عصفت بنا خلال الشهر الماضي، والتي يعجز البعض عن تفسيرها وتوصيفها، ربما بسبب سرعة الأحداث وخطورتها التي تحبس الأنفاس، ليصعب على البعض تصديق المستوى الذي انحدرنا إليه. 
ما يقع اليوم ليس وليد لحظة انفعال، أو أشهر من الحراك المطالب بالإصلاح وعدم الاستجابة له، بل هو حصاد ما زرعت الحكومات خلال السنوات الماضية من إهمال للناس وانتهاك لحقوقهم السياسية والاقتصادية والإنسانية.
فعلى مدى سنوات كانت مدد برنامج التصحيح الاقتصادي والسنوات التي تلتها صعبة اقتصاديا بشكل جلي، وظل الناس يهمسون بمخاوفهم من اشتداد الفقر وتزايد البطالة واتساع حجم مشكلة الفساد، وسط معاناة لا تتوقف للأسر مع أبنائها العاطلين عن العمل، وعجز منقطع النظيرعن الوفاء بالتزامات الحد الأدنى من العيش الكريم.
هذه السنوات كانت مصيرية، وليس الفقر والبطالة وحدهما من خلق بيئة مناسبة للاحتقان وعدم الرضا، بل لعب التفاوت الكبير بين الطبقات الاجتماعية دورا كبيرا في خلق بيئة مناسبة للشعور بعدم الراحة والخديعة من حكومات لم تقم بالأدوار المطلوبة منها.
الحكومات، وبدون أن تدرك، عمدت إلى تهميش الطبقة الوسطى التي تشكل العماد الأساسي للاستقرار المجتمعي والسياسي، حيث تسبب تفتيت وتهميش هذه الشريحة إلى قتل الوعي بمساوئ العنف وما يخلفه من دمار على المجتمع لا يقتصر على تدمير غير المنقول من المال.
ولربما يصح الرأي القائل بأن الطبقة الوسطى ما تزال موجودة، والفرق أنها انتقلت إلى مهن أخرى بعيدة عن تلك الطبقة الوسطى التقليدية.
ولو سلمنا بهذه النتيجة، فهي رغم أنها تطمئننا على وجود الطبقة الوسطى، لكنها تؤشر إلى مسألة خطيرة وهي أن من كانوا بالأمس عماد الطبقة الوسطى باتوا اليوم في عداد الفقراء، ما يعني أن حالتهم النفسية انقلبت رأسا على عقب نتيجة ما آلت إليه أوضاعهم من سياسات اقتصادية تم تطبيقها على مدى السنوات الماضية.
العنف المجتمعي ما هو إلا تعبير وتنفيس عن القهر الذي ترسب في نفوس الناس، الذين شعروا أن الدولة التي تربوا في أحضانها تخلت عنهم، بدون أن توفر لهم البديل، وما تزال تسمعهم وبشكل يومي كلاما قاسيا عن الدعم المقدم لهم من الخزينة ملوحة بالتخلص منه للخروج من المأزق المالي الذي تعاني منه الخزينة.
وفي تفسير غير بريء يرى البعض أن ما يجري من تكرار لحالات العنف ملفت، ولربما يكون بفعل فاعل، يسعى لتوجيه مشاعر عدم الرضا عن الحال العام والتعبير عنه بالعنف، لتحويل الانتباه عن المطالب بالإصلاح، من خلال توجيه الشعور بالقهر إلى معارك مجتمعية تنشب هنا وتخمد هناك.
 الظروف الاقتصادية العصيبة وتوقع المزيد منها في العام المقبل، تشكل بيئة خصبة للاحتجاج، فهل نحن بحاجة لمزيد من الزيت لصبه على النار؟.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جمانة غنيمات  صحافة