ربما يحمل تصريح محمد نزال عضو المكتب السياسي في حركة حماس حول فك الارتباط الأردني الفلسطيني شارات إيجابية أكثر من السلبية التي التقطها بعض الكتاب والسياسيين، وبخاصة أن محمد نزال شخصيا تربطه علاقة قوية بالمسؤولين الأردنيين، وهو على سبيل المثال لم يغادر مع المبعدين من قادة حماس، وبقي في عمان إلى أن خرج لأسباب تنظيمية وعملية، وبقي يعود إلى عمان بانتظام ويلتقي المسؤولين الأردنيين.
والواقع أنه إذا تجوهلت الأزمة بين حماس والحكومة الأردنية عام 1999 فإن العلاقة بين الطرفين يمكن اعتبارها مثالية، وهي أزمة لا يجوز أن تبقى عقبة وبخاصة أنها جزئية وبالغة الضآلة، والدول والشعوب والأفراد تتخاصم وتتصالح، فالعلاقات لا تدوم ولكن تبقى المصالح والروابط، وأهم من ذلك الجغرافيا والتاريخ.
لم تتدخل الدولة الأردنية في الشأن الداخلي والسياسي لحركة حماس حتى في حالة التحول الكبير بعد توقيع المعاهدة الأردنية الإسرائيلية عام 1994، وظل الأردن يوفر لحماس مقرا مثاليا، بسبب التسامح السياسي العام، والبيئة الاجتماعية والاقتصادية الملائمة(ربما) أكثر من أي بلد آخر، لدرجة أن حماس ظل تمثيلها في سورية محدودا برغم التأييد السياسي الكبير الذي كانت تقدمه لحماس، ولكن أحدا من أعضاء المكتب السياسي لحماس لم يشأ أن يقيم في دمشق قبل عام 1999.
وفي المقابل فإن حماس وبخاصة بعد نجاحها بحيازة أغلبية الشعب الفلسطيني يمكن أن تكون شريكا مثاليا للأردن يغير إيجايبا من قواعد ومسار العلاقات الأردنية الفلسطينية لصالح الطرفين، فهذه العلاقة التي ظلت محكومة بمواقف واتجاهات منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة فتح وتأثيرها على مدى أربعين سنة أدت إلى متوالية معقدة وشبكية من التداعيات التي تفوق في ضخامة تأثيرها وصدعها المشكلات الأساسية ومبتدأ الأزمة منذ منتصف الستينيات.
واليوم فإن الفلسطينيين باختيارهم لحركة حماس إنما يراجعون على نحو استراتيجي لسياسات ومواقف اكتسبت طابعا تاريخيا يبدو راسخا ولكنه غير ذلك.
وأيا كانت الشراكة ومداها بين فلسطين بقيادة حماس وبين الأردن، فإن الفرصة لعلاقة بين الكيانين(مع اعتبار محاذير هذه العبارة) تقوم على تبادل الدعم والمصالح وتقوية المواقف والبرامج ودعمها، وتسوية الخلافات والأزمات العالقة هي مثالية وقد لا تتكرر إلا بعد أربعين سنة أخرى، فالمتغيرات تتبع الأجيال وحراكها.
لدى الشعب الفلسطيني اليوم قيادة شابة ملتزمة مبدئيا وتاريخيا بقضايا ومصالح الفلسطينيين والعرب، وليس لديها أي مشكلة مع أي دولة عربية أو إسلامية، ولم تتورط في دم عربي أو فلسطيني بل وغير إسرائيلي، وصبرت على موقفها هذا وفي بعض الأحيان دفعت ثمنه، وهي مستعدة لتسويات ومواقف منسجمة مع الحالة العربية والدولية، ويفترض أنها تمثل أيضا شريكا مناسبا لإسرائيل إذا كانت تريد بالفعل تسوية في إطار القرارات الدولية للأمم المتحدة، بل وهي مستعدة أيضا لهدنة طويلة جدا قد يجري في أثنائها تسويات تاريخية تحقق الرضا والاستقرار.
وفي المقابل فإن الأردن بخاصة والدول العربية بعامة يمكن أن تساعد الفلسطينيين اليوم على إقامة دولتهم وتنظيمها وإدارتها على النحو الذي يجعلها تنمويا في مستوى لا يقل عن الدول العربية، ويقدم بديلا عن المساعدات الدولية المالية والفنية، وما يطلبه الفلسطينيون في هذا المجال ليس كثيرا، ولكنه سيحرر الفلسطينيين إلى الأبد من ضغوط كبيرة وابتزاز لا يضر بالفلسطينيين وحدهم بل بالأردن بخاصة والعرب بعامة. وكان الأردن ملتزما بالفعل لفترة طويلة في تشغيل وإدارة المؤسسات الإسلامية التعليمية والخدمية في الضفة الغربية، وسيكون هذا التعاون قاعدة لشراكة وترتيبات(قد لا تكون واضحة لدي بالتفصيل في هذه اللحظة) ولكنها ستؤدي إلى تسوية تاريخية لكل الأزمات والشروخ التي لم تنشأ لأسباب بنيوية في العلاقة الأردنية الفلسطينية ولكن بسبب أخطاء وملابسات لم تعد موجودة، وفي الوقت نفسه فإن هذه الشراكة لا تتضمن مغامرة سياسية لأي من الطرفين، ولكنها تقع في الفصول والهوامش الممكنة للسياق الإقليمي والدولي.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد