الدين العام: خطر يتنامى
تكشف أرقام موازنة العام المقبل أن حجم الدين العام مع نهاية العام الحالي سيبلغ 13.3 مليار دينار، وإذا ما أخذ العجز المقدر بحوالي 1.2 نهاية العام 2011 بعين الاعتبار، فإن حجم الدين سيرتفع ليقارب 15.3 مليار دينار، أي ما قيمته 21.5 مليار دولار.
رقم الدين بكل المقاييس خطير!، والحكومة حتى اليوم لم تدق الجرس، ولم تعلن للجميع صراحة مدى السوء الذي بلغه هذا المؤشر والذي لا يدل على وضع صحي بأي حال من الأحوال.
وخلال العام المقبل، سيرتفع هذا الرقم بشكل مطرد خصوصا وأن نوايا الحكومة بالسداد في حدودها الدنيا، فيما شهية الإنفاق مفتوحة بلا رادع وتغذي ترجيحات اصدار ملحق للموازنة، ما يعني أن حدود المديونية ستزيد أيضا تبعا لمعدلات النمو التي لا يتوقع أن تبلغ تقديرات الحكومة والتي سينجم عنها تراجع الإيرادات عن المقدر.
أسباب ارتفاع الدين مختلفة، ومنها ما يتعلق بارتفاع الإنفاق العام، وهو ما حدث لدينا حيث ارتفعت النفقات الجارية في المملكة لدرجة أن الإيرادات المحلية لم تعد تغطي سوى 82 % من الإنفاق الجاري، فيما إجمالي الإيرادات المحلية والخارجية لا يكفي لتغطية قيمة النفقات الجارية الكلية، ما يدفع إلى تغطيتها بالاقتراض سواء الداخلي أو الخارجي.
وأسوأ أنواع الاقتراض تلك التي يتم الحصول عليها من بنوك محلية، وهذا تحديدا ما تظهره موازنة العام المقبل والتي تكشف أن الحكومة ستركز على الاقتراض من المصارف المحلية، حيث تشير الأرقام إلى أن الدين الداخلي سيتجاوز خلال العام المقبل مبلغ 5 مليارات دينار، إضافة إلى حوالي 57 مليون دينار قروضا خارجية، ومبلغ 284 مليون دينار من مؤسسات أممية لدعم الموازنة.
سيتم إنفاق مديونية العام المقبل على تسديد عجز الموازنة بقيمة 1.02 مليار دينار، ومبلغ 700 ألف دينار لسداد أقساط القروض الداخلية، ومبلغ 445 مليون دينار لتسديد أقساط ديون خارجية، ومبلغ 80 مليونا لإطفاء سندات دين للبنك المركزي، أما القيمة العظمى فستوجه لإطفاء الدين الداخلي بقيمة تتجاوز 3.8 مليار دينار.
والنمو المطرد لحجم المديونية وارتفاع عجز الموازنة العامة، يعكس طبيعة نهج الإنفاق المطبق في المملكة منذ سنوات طويلة، والذي يؤكد أنه لا ينسجم أبدا مع طبيعة الموارد المالية لاقتصاد صغير ما يزال غير قادر على التخلي عن المنح والمساعدات الخارجية.
كما أن تطور حجم الأرقام يؤكد أن الأردن بلد لا "يمد رجليه على قد لحافه" بل إن حجم نفقاته يتجاوز إمكاناته بدرجات كبيرة، الأمر الذي يعكس ضعفا جوهريا في سياسات الإنفاق، ويؤكد أن جميع المسؤولين الذين توالوا على قيادة السياسات المالية والنقدية، لم يدركوا بعد مخاطر مثل هذه الأرقام على استقرار المؤشرات النقدية، وأنهم لم يصونوا الأمانة التي وضعت في أعناقهم.
وفي ظل استمرار العقلية ذاتها والمسيطرة على إدارة السياسة المالية، سنبقى نشهد قفزات كبيرة في حجم الدين، حتى تصبح تركة ثقيلة وكلفها كبيرة علينا وعلى الأجيال المقبلة.
والشخص العادي قبل المختص يدرك تبعات ارتفاع قيمة الدين على الاقتصاد كاملا، خصوصا وأن العلاقة الطردية بين هذا المؤشر والخطورة قوية، ما يعني تعرض البلد لمخاطر شديدة، قد لا يقوى أحد على مواجهتها.
هذه هي المستويات التي بلغتها أحجام الدين، ولم يعد ضروريا على الحكومة دق الجرس، بل المهم اتخاذ قرار بوقف تناميها من خلال ضبط النفقات ووضع إطار زمني للسداد من أجل تقليص حجمها وبشكل مدروس.
بقلم جمانة غنيمات.
المراجع
alghad.com
التصانيف
جريدة الغد جمانة غنيمات صحافة العلوم الاجتماعية الآداب