قهر أخطر من الفقر
في نشرة الأحوال الجوية تقول المذيعة إن درجات الحرارة ستكون درجتين تحت الصفر في بعض مناطق المملكة، وأخذت تتساءل محدثة مستمعيها حول تكهناتهم حيال المنطقة التي ستشهد هذا التراجع الكبير في درجات الحرارة.
شخصيا تمنيت أن تكون في إحدى مناطق عمان الغربية، لكن حديث المذيعة جاء بما لم أشتهي، حيث أكدت أن محافظات مثل معان والمفرق هي التي سيعيش أهلها مع البرد القارس.
تخيلت لوهلة، كيف يمكن لسكان جيوب الفقر من الجفر إلى الحسينية إلى المريغة في معان أن يتعايشوا مع البرد، وكيف يتسنى لسكان الرويشد، والصالحية ودير الكهف وأم الجمال وحوشا، وسما السرحان تمضية ليالي الشتاء القارس.
المفرق ومعان ابتليتا بالفقر وبأعلى عدد من جيوبه، ونسبة الفقر فيهما قاتلة؛ إذ تجدها في الرويشد مثلا نحو 73 %، ولم يكتفِ منهما الفقر بل جاءهما البرد الذي لا يدري أهلهما كيف يحتمون منه، في ظل عوزهم وحاجتهم وعجزهم عن توفير مصدر للدفء يخفف تجمد الدماء في عروق رؤوس أصابعهم.
مع أنباء الحديث عن الثلج وتدني درجات الحرارة، لا يقدر المرء إلا أن يتذكر سكان هذه المناطق المنسية، فنسبة الفقر في معان تتجاوز 24 %، فيما يقل مستواها في المفرق لتقارب 12 %، حيث تصبح هذه الأرقام مؤشرا يعكس التقصير الكبير الذي عايشته هذه المناطق.
ولا يظن البعض أن المناطق النائية والبعيدة هي التي ظُلمت فقط، فعمان ليست أفضل حالا؛ ففيها كثير من الفقراء ومعدلات الفقرأيضا مرتفعة وتقارب 27 %، وكل هؤلاء الفقراء في الوطن العزيز عزّ عليهم العيش الكريم، واستعصت عليهم لقمة العيش وحفنة دنانير تقيهم من شتاء لا يرحم.
وربما يولّد الشعور بالبرد، أحاسيس أخرى، ترتبط بما أعطاهم الوطن ومما حرمهم، حينما يرون أن كثيرين أثروا فيما هم يغرقون في فقر لا يرحم وجوع يمزق أمعاءهم، ويذكرهم بتقصير حكومات كثيرة مرت عليهم وغادرت هي ووعودها بتحسين حياتهم، مجرد تصريحات عنونت عليها الصحف كبشرى سارّة، وبقيت مكانها ولم تتزحزح.
ويزداد عمق الشعور بالاحتقان وعدم الرضا، حينما يشهدون غياب معايير العدالة، ما يجعلهم يخزنون كثيرا من القهر والنقمة على واقع لم تسعَ حكومات لتغييره، بل زادتهم سياساتها فقرا وقهرا.
واقع الأردنيين يزداد سوءا يوما بعد اليوم، والفجوة بين أغنيائهم وفقرائهم تكبر، حيث ارتفعت نسبة الفقراء من 13.3 % خلال العام 2006 لتصل حوالي 14 % وفق آخر مسح رسمي حول الفقر.
الفقر خطير، بيد أن الشعور بعدم تكافؤ الفرص وغياب العدالة وعدم احترام حقوق الإنسان، أخطر بكثير، ومحاولة امتصاص حدة هذه القناعات بحاجة إلى خطوات إصلاحية حقيقية سياسية واقتصادية.
الإصلاح السياسي يغذي شعور الفرد بتحمل المسؤولية، ويجعله يدرك أنه جزء من المنظومة السياسية التي تدير الشأن العام، ويؤكد لكثيرين أن آليات إدارة الشأن العام تغيرت، الأمر الذي يجعله مسؤولا عن اختياراته السياسية وتوجهاته الحزبية.
أما الإصلاح الاقتصادي المطلوب، فأساسه مراجعة النظر في النظام الضريبي، ليساعد في إعادة توزيع مكتسبات التنمية بشكل حقيقي، والابتعاد عن سيمفونية أن دافعي الضرائب من الأغنياء ينفقون على الفقراء، فهذا جزء من واجبهم، ويصب في صالحهم أولا وأخيرا.
الملك قال خلال لقائه وفدا من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي إن الأوضاع الاقتصادية الصعبة أطلقت الحراكات الشعبية العربية، وإدراك هذه الحقيقة مدعاة للحكومات لتصلح من أحوالها وتسرّع عملها، إذ لا يستوي أن يستغرق تفعيل صندوق دعم المحافظات أكثر من نصف عام ولا ندري متى سيفعّل.
القهر أخطر من الفقر، فلا تقهروا الناس أكثر.
بقلم جمانة غنيمات.
المراجع
alghad.com
التصانيف
جريدة الغد جمانة غنيمات صحافة العلوم الاجتماعية الآداب