يأخذ كثيرون على سكان المحافظات شكواهم من ضعف التنمية في مناطقهم، محملينهم وزر سوء توزيع مكتسبات التنمية. إذ يسعى البعض إلى تحميل المحافظات مسؤولية فشل الحكومات منذ عقود طويلة في توفير حياة لائقة، بحجج واهية ترتكز على الترويج لثقافة العيب والكسل وضعف الإنتاجية وغيره.
وتوجيه اللوم لسكان المحافظات على سعيهم وراء العمل في القطاع العام، ليس إلا هروبا من انتقاد السياسات الرسمية التي ظلت توجههم في هذه الطريق، عبر علاقة أبوية ظلمت هذه الشريحة التي باتت تعتمد بدرجة كبيرة على الدولة في حياتها ومصيرها.
السياسة التي طبقتها الدولة ظلمت هذه الفئة التي لم تنل حقها من تعليم محترم، وظلت الخدمات الحكومية تتراجع يوما بعد يوم، حتى جاء الوقت الذي قررت الدولة فيه تغيير النهج القائم، وتخلت عن دورها في رعايتهم، قبل أن تحضر هذه الشريحة نفسيا للخطوات التي ستقوم بها.
المشكلة الأخطر أن الدولة، ونتيجة لسياساتها، خلقت حساسيات بين أبناء البلد الواحد، إذ أعطت البعض، وحرمت البعض الآخر، ما ولّد حالة أقرب ما تكون إلى الرفض بين الطرفين.
الخطير أن قرار الدولة بالتخلي عن دورها جاء في الوقت الخطأ، وفي ظل معطيات موضوعية منعتها عن ذلك، وتحديدا ما يتعلق بالربيع العربي وتطلع الناس للحرية والكرامة والتي لا تنسجم أبدا مع فكرة الدور الرعوي الذي تؤديه الحكومات، ما خلق ردة فعل عكسية دفعت الحكومات إلى تقديم المزيد من الأعطيات للمجتمع.
وتجد الدولة مشتتة في قراراتها وتوجهاتها، ليتضح أنها مرهقة من التفكير في سبل إرضاء الناس، ولتجد أن بعض مراكزها ما يزال يفكر في تقديم الأعطيات من هنا وتوفير الوظيفة من هناك، فيما يسقطون من حساباتهم أن إصلاحا سياسيا حقيقيا كفيل بإخراج البلد من مأزقه.
بيد أن المعطيات الواقعية ومحدودية الموارد المالية المحلية، بالتزامن مع تراجع دول الخليج عن وعودها بتوفير الدعم المالي المطلوب، وضعت الدولة -والحكومات- في مأزق محرج، وكبلتها بحيث لم تعد قادرة على التعاطي بذات الأسلوب؛ إذ بات وضع المالية العامة، وتزايد الإنفاق الحكومي المبني على ردود أفعال، مصدر قلق يهدد الاستقرار المالي والنقدي.
صحيح أن أبناء المحافظات ظلموا من قبل الحكومات التي لم تحسب يوما حسابا لغضبتهم بعد سنوات من الإهمال، والتخبط الحكومي لم يفلح في بناء مجتمعات منتجة معتمدة على ذاتها، إذ ظلت الحكومات تناقض نفسها بين ما تنظّر له من تقليص حجم القطاع العام، وما تطبقه على أرض الواقع.
معالجة الاختلالات الكبيرة بحاجة إلى برنامج إصلاح اقتصادي وطني يراعي الخصوصية المجتمعية لمكونات المجتمع، بالتزامن مع ثورة إصلاحية سياسية تجفف منابع الغضب، وتعطي في ذات الوقت فسحة من الزمن للحكومات لتطبيق الإصلاح الاقتصادي المطلوب.
ويا حبذا لو استطاعت الحكومات تفهم احتياجات الناس، وتحديدا الاقتصادية منها، لتتمكن من وضع خطة عملية بعيدة عن التنظير الذي مارسته هذه الحكومات، شريطة وجود إرادة التنفيذ التي لم تتوفر في السابق.
وللأسف، يبدو أن الحكومة الحالية لم تستفد من دروس الماضي، ولم تلتقط الرسالة، إذ ما تزال تقيس الإنجاز في المحافظات بمقدار ما ينفق من أموال، بغض النظر عن توجيه هذه المبالغ لمشاريع توفر فرص عمل وتسهم في تخفيف مشاكل الفقر والبطالة، ودليل ذلك الخطة التي وضعتها لتنفيذ فكرة صندوق المحافظات، من خلال توزيع المبالغ على الوزارات لإنفاقها كيفما اتفق، وليس لتمويل مشاريع تناسب احتياجات تلك المناطق.
في حال مضت الحكومة في نهجها الحالي، سنصحو ذات يوم لنجد أن أموال صندوق المحافظات المقدرة للعامين 2011-2012 بحوالي 50 مليون دينار، لم تحقق الهدف، ولنعود إلى المربع الأول من الإخفاقات الرسمية في إيجاد تنمية حقيقية في المحافظات.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد جمانة غنيمات صحافة