يعرض د. زيد حمزة في كتابه "بين الطب والسياسة" سلسلة من المشاهد المعبرة عن تطور ونشأة الأردن، المدن والتعليم والمؤسسات والأعمال والمهن والعمران، والحياة الاجتماعية، وقد شغلني هذا التاريخ الاجتماعي والاقتصادي أكثر من سيرته على أهميتها وجمالها، ولكن وجدتني بعد قراءة الكتاب تحت تأثير شلال من التداعيات والهموم والأسئلة، أين كنا وإلى أين وصلنا؟ وأين نجحنا وأين فشلنا؟ هل تمضي الأجيال في سيرة منطقية قائمة على علاقة صحيحة بين ما أنجز وما تبقى؟
يصف المؤلف مدينتي إربد وعمان في الثلاثينيات والأربعينيات، فنتعرف على ما تبقى من مدننا. ومن يقرأ كتاب د. زيد حمزة "بين الطب والسياسة" يحزنه كثيرا أننا مانزال بعد نصف قرن أو أكثر من الزمن نواجه السؤال نفسه والأزمة نفسها، وأن كل ما لدينا ليس سوى تراكم/ تكرار من الأعمال والتجارب والأفكار من غير استيعاب أو إبداع، أو لنقل بأمانة إن لحظات التأسيس والدهشة التي نفر لها جيل سابق من الشباب المتعلم والناهض لم تتحول إلى مسار من الإنجازات والمراجعات، وكأننا مانزال في اليوم التالي للتأسيس، لا ندري إلى أين نمضي، ولا نعرف ما أنجزنا وما تبقى علينا، بل ونعجز عن التمييز بين ما أنجزناه بالفعل وبين ما نسعى/ يجب أن نسعى لتحقيقه، لماذا ننجح في الخطوة الأولى، ثم نقف نتلفت حوالينا أو نمضي في مسار لا علاقة له بالقفزة الأولى الهائلة المبدعة؟ لماذا ننجح فيما يعجز عن تحقيقه الناس، ثم نفشل فيما ينجح فيه كل الناس؟ لماذا ننجح في تخطي ومواجهة الصعوبات والتحديات والأزمات والحوادث الكبرى ولا ننجح في إدارة وتحسين حياتنا وشؤوننا في الظروف العادية المريحة والمواتية للتقدم والإنجاز؟
ينتمي زيد حمزة إلى الجيل الذي نهض بالدولة الحديثة، وأنشأ أجمل وأهم ما لدينا من مستشفيات وجامعات ومؤسسات ومرافق، ومرت به أحداث جسيمة وهائلة، من الحروب والنكبات والنكسات والأزمات والاغتيالات والصراعات الداخلية والإقليمية والعالمية، ولكنه جيل عبر بالدولة والمجتمع من ذلك كله، وصارت لدينا مدارس تستوعب جميع الطلاب، وجامعات أكثر مما نحتاج إليه، بل إن أزمتنا اليوم في التوسع العشوائي في التعليم، وصارت لدينا مؤسسات حكومية كبرى ومعقدة وشركات وتجارة واستثمارات تدير وتورد الخدمات والاحتياجات، ولكننا فقدنا المجتمعات التي كانت بحيويتها وقدراتها شريكا كفؤا للحكومة والقطاع الخاص، والتي أدارت استجابة واعية وناجحة مع التحولات، ونبدو اليوم وكأننا حكومات وشركات متطورة من غير مجتمعات!.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد