ها هي منشورات جامعة قاريونس في اصدار جديد من اصداراتها المكينة ، وها هو أ.د. محمد المبروك الدويب يتحف المكتبة العربية بمصدر جديد من مصادر التاريخ القديم ، بعد ذرتيه الكتاب الرابع لهيرودوتوس و الكتاب السابع عشر لسترابون ، و ها هي ثالثة الأثافي ، هذه هي ترجمة الكتاب الرابع من جغرافية بطوليميوس (بطليموس) الذي ترجمه و نقله عن الاغريقية بكل امانة و اقتدار ا.د. الدويب ، ويعد كتاب جغرافية بطليموس او الدليل الجغرافي من اهم الكتب الكلاسيكية التي اثرت في تاريخ الفكر الجغرافي و في رسم الخرائط ، فالخرائط التي اعدها بطليموس صورت العالم المعمور بمواقعه من مدن وقرى و جبال و انهار وشعوب و قبائل تستوطن تلك الامكنة ما بين 127-148 م وقد حدد تلك المواقع بنظام جديد ابتكره اعتمد على خطوط الطول و العرض هذا النظام الذي مازال معمولا به حديثا بعد ان طور ، اذا فان بطليموس رائد تحديد المواقع جغرافيا وفقا لخطوط الطول و العرض ، وقد عزز خرائطه التي بقى منها 13 خريطة بالدليل الجغرافي المكون من 8 كتب بحيث يسترشد به لمعرفة اسم الموقع و موقعه وفقا لخطوط الطول والعرض ، وقد استعرض في كتبه تلك بجانب خرائطه التوضيحية الاقاليم الجغرافية القديمة بحيث كان يُبين حدود كل اقليم ويشير الى اقسامه ثم يفصل ما يحويه من مدن وقرى وجبال و انهار ومظاهر مختلفة برا وبحرا و لم ينس ان يذكر السكان القاطنين في تلك المدن والقرى حيث يرد أسماءهم والقبائل التي ينتمون اليها ، ومن هنا فهذا الكتاب مفيد لمعرفة العالم القديم في صورة بانورامية دقيقة في النصف الاول من القرن الثاني للميلاد قدمها كلاوديوس بطليموس الذي عاش في مصر و استفاد من مكتبتها الشهيرة و ما تحويه من مصادر كلاسيكية كانت زاده في استعراض العالم القديم بمواقعه و مظاهره الطبيعية التي ازدان به مؤلفه الدليل الجغرافي بخرائطه التوضيحية ، وكتابه يمكن ان يصنف حديثا بانه اطلس جغرافي ومن ثم فهو اقدم الاطالس قاطبة . وقد خصص بطليموس كتابه الرابع لوصف ليبيا ومصر ويقصد بليبيا قديما الجزء المعروف عند الاغريق و الرومان من قارة افريقيا باستثناء مصر ، وقد عرض في كتابه الرابع الاقاليم او المقاطعات التي تتكون منها هذه المنطقة و قد بدأ وصفه من الغرب الى الشرق من اقليم موريتانيا الطنجية ثم موريتانيا القيصرية ثم نوميديا (افريقيا) ثم كيرينايكي ومصر السفلى و العليا ، ثم يتجه الى الدواخل الليبية و اثيوبيا اسفل مصر (السودان) و اثيوبيا الداخلية ، وقد بلغ عدد تلك الاقاليم 12 اقليما صورها في اربع خرائط . وقد جاءت ترجمة أد. الدويب لهذا الجزء من كتاب الدليل الجغرافي في الكتيب الذي اصدرته منشورات جامعة قاريونس في طبعته الاولى عام 2004 على الرغم من تداوله بين القراء في الشهر الثالث من عام 2005 ، وقد صدر هذا الكتيب في طبعة قشيبة بـ 113 صفحة ( 23.7 × 17 سم ) عدد صفحات هذا الكتاب بما فيها مقدمة وتمهيد (ص ص. 9-20 ) تعد قراءتهما ضرورية لانها مدخل جيد لهذه الترجمة ليدرك القاريء اهمية هذا العمل و اهمية ترجمته الى العربية ، ومما يجدر ذكره ان ا.د. محمد الدويب قد حذا حذو اجداده العرب الاوائل الذين عنوا باعمال بطليموس و ترجموا جزءا كبيرا منها الى العربية ، وقد ترجمت جغرافية بطليموس الى العربية في القرن الثالث الهجري في عهد المأمون نقلا من الاغريقية بصورة مباشرة او من الترجمة السريانية لهذا الكتاب ، وقد ترجم بشكل كامل و مُجزء ، وقد وصلت جزء من هذه الترجمة تحت اسم جغرافية بطليموس في تفصيل الاقاليم (صورة الارض المعمورة المعلومة ) ، وقد لخص ذلك الكتاب بواسطة محمد بن موسى الخوارزمي في كتابه " رسم الارض " الذي نقل حرفيا الخرائط التي اعدها بطليموس ونشرها مترجمة في كتابه المشار اليه . ومما تقدم فان ترجمة هذا الجزء من كتاب دليل جغرافية بطليموس من الاغريقية الى العربية بواسطة أ.د. الدويب تعد الاولى في اللغة العربية حديثا ، ووريثة لترجمة مماثلة ترجع الى القرن الثالث الهجري ، وقد فقدت التراجم القديمة اهميتها بسبب ما حواه كتاب بطليموس من ذكر للمواقع القديمة المندثرة و المجهولة ومن ثم فهي أي المواقع غير ذات فائدة او جدوى للمسلمين فاهملوا ما ورد بالكتاب من اسماء و ركزوا على ما ذكره بطليموس في مقدمة كتابه و الخرائط التي ذيّل بها الكتاب . اما ترجمة الدويب فهي جم مفيدة لدارسي التاريخ القديم و الآثار على وجه الخصوص بعد ان اصبح الرجوع الى المصادر الجغرافية القديمة لا مناص منه ، بسبب ما توفره تلك المصادر من معلومات مفيدة عن المواقع الاثرية و التاريخية من حيث موقعها و الاسم الذي كانت تعرف به آنذاك ، ومن خلال عمل بطليموس امكن للدارسين التعرف على الكثير من المواقع التي كانت مندثرة و لم يكن يُعرف الا اسماؤها وفقا لما جاء في المصادر الجغرافية القديمة مثل استرابون و بطليموس ، وامكن بفضل تلك المعلومات من الوصول الى معرفة تلك المواقع ومعرفة اسمائها القديم ، ومن ثم لم تعد الكثير من الاطلال والمواقع الاثرية مجهولة بدون اسم و لا اضاءات تاريخية من خلال الاشارات التي ترد عنها في المصادر الكلاسيكية والتي تساعد في معرفة تاريخ الموقع و تطوره ، ويعد كتاب بطليموس (الدليل الجغرافي) احد المصادر المهمة التي تُعين الباحث الاثري بسبب دقته في تحديد المواقع بخطوط الطول و العرض (وان كانت غير دقيقة مقارنة بخطوط الطول و العرض الحالية) وتحديد موقعها على الخرائط القديمة التي برع بطليموس في تنفيذها ، ومما تقدم فان ترجمة هذا الكتاب الى العربية مفيدة جدا فعن طريقها يمكن معرفة التسميات القديمة كما كتبها بطليموس بالاغريقية و رسمها بالعربي وموقعها وفقا لخطوط الطول و العرض ، اضافة الى التعليقات و الهوامش التي اثرت هذا العمل . ويهتم الفصل الاول من الدليل الجغرافي بالحديث عن اقليم موريتانيا الطنجية (ص ص.23-28) تلك المواقع التي ذكرت في خريطته الاولى ، وقد قسم الى ثمان فقرات اعتنت بابراز المواقع الساحلية والداخلية في اقليم او ولاية موريتانيا الطنجية الممتدة من مضيق هيراكليس (جبل طارق حاليا) الى جبال اطلس الكبير ، ولم يكتفِ بذكر مواقع المدن والقرى بل اسماء الجبال والجزر والقبائل المحلية التي تسكن هناك فذكر اسماءهم ومواطن سكناهم . اما الفصل الثاني (ص ص.29-37) فتعرض لولاية موريتانيا القيصرية الواقعة شرق موريتانيا الطنجية وقد عنى بايراد المواقع الموجودة في هذه الولاية من مدن وقرى وجبال وموطن السكان المحليين واسمائهم و ذلك من خلال فقرات هذا الفصل البالغ ثمانية ، هذه المواقع التي تعد تفريغا لما ورد في جزء من خريطته الاولى (خريطة ليبيا الاولى ). اما الفصل الثالث (ص ص.39-56) فقد خصصه لمسح مواقع ولاية نوميديا و افريقيا الواقعتين غرب موريتانيا القيصرية ، وتعد ولاية نوميديا اصغر الولايات اما ولاية افريقيا فتعد اكبرها حيث تشغل جزءا كبيرا من تونس الحالية وتمتد حتى مدخل خليج سرت الكبير ، ويعد هذا الفصل من اكبر فصول الكتاب فقد وردت به الكثير من المواقع الساحلية و الداخلية واسماء الكثير من القبائل ومواطنها، واسماء البحيرات و الجبال والجزر ، واشار الى المواقع التي اسستها الفرقة الاغسطية الثالثة واتخذتها موقعا حصينا لها ، وقد وردت تلك الاسماء و المواقع في خريطته الثانية (خريطة ليبيا الثانية) و ليس غريبا ان يعد هذا الفصل من اكبر فصول الكتاب بسبب الكثافة السكانية وشغل الاراضي كلما اتُجه شرقا فولاية موريتانية (الطنجية والقيصرية) تعد اقل سكانا واقل مواقع مقارنة بولاية افريقيا لاسباب سياسية اذ ركز الرومان على ولاية افريقيا الآهلة بالسكان اكثر من موريتانيا الاقل سكانا و استيطانا من قبل الرومان . وعند محاولة التعرف على اهمية هذا العمل بالنسبة لليبيا فتجدر الاشارة الى ان الجزء الخاص بليبيا بالمفهوم السياسي الحالي قد ورد في الكتاب في الفقرات 3 ، 4 ، 5 ، 6 ، 11 من الفصل الثالث (ص ص.42-48 ، 54-55) بالنسبة للجزء الواقع في ولاية افريقية (الجزء الغربي من ليبيا حاليا) اما اقليم كيرينايكي (قورينائية) فقد افرد له بطليموس الفصل الرابع بفقراته الثمانية ، وقد حدد مواقعه على خريطة ليبيا الثالثة وقد تطرق الى وصفها من الغرب الى الشرق بدءً من قرية فيليني ثم اوتومالاكس (بوشعيفة قرب العقيلة) يليها سبعة مواقع تمثلت في روؤس بحرية وموانٍ وابراج تنتهي الى منطقة البينتابوليس (المدن الخمس) التي تبدأ ببيرينيكي (بنغازي) و تنتهي ساحليا بمدينة دارنيس (درنة) مرورا بمدن ارسينوي (توكرة) بتوليمايس (طلميثة) و ابوللونيا (سوسة) ، كما اشار الى بعض المواقع الاخرى مثل اوسيجدا (قصر ديزا او الحنية ) و فيكوس (رأس عامر او الحمامة ) و ناوستاثموس (رأس الهلال) و ايرثرون(لاثرون) و خيرسيس (كرسة) و رأس زيفيرون (رأس مداد غرب درنة). كما تعرض للقبائل القاطنة في في جنوب كيرينايكي (الفقرة 6) ، اما المدن والمواقع الداخلية فقد تطرق اليها في الفقرة السابعة فذكر 22 موقعا لعل اهمها مدينة كيريني و برقة و بلغرا (البيضاء) و الكثير من القرى الاخرى مثل ارتاميس (مسة) ، خيريكلا (زاوية اسقفة) ، وغيرها . اما الجزء الاخر من ليبيا والمسمى اقليم مارماريكي و الممتد من شرق درنة الى ميناء بيتراس الكبرى (ميناء البردية ) عند بطليموس ، اما كاتاباثموس (السلوم) التي وضعها بطليموس في اقليم ليبيا الساحلية فهي تعد الحد الشرقي لاقليم كيرينايكي قديما ، وقد اشار بطليموس الى 11 موقعا ساحليا في اقليم مارماريكي من اهمها خيرونسيوس (رأس التين) ، ميناء باتراخوس (البردية)، ميناء انتيبيرجوس (طبرق) و 16 موقعا داخليا (الفقرة 13 ) اضافة الى القبائل التي كانت تقطن في مارماريكا هذا ما جاء في الفصل الخامس عن ليبيا ( ص ص. 63-64 ،70-73 ) . اما بقية هذا الفصل فقد خصه بطليموس بالحديث عن اقليم ليبيا الساحلية الواقع اغلبه في جمهورية مصر ، اضافة الى اقاليم ومواقع اخرى مثل اقليم مريوط والعديد من الاقاليم الاخرى الغنية بالمواقع والمدن المأهولة بالسكان (ص ص. 66-69 و 75-86) . وقد افرد بطليموس الفصل السادس (ص ص. 87-98) للحديث عن اجزاء قارة ليبيا الداخلية الواقعة الى الجنوب من ولايات موريتانيا الطنجية والقيصرية و افريقيا و كيرينايكي ، وقد اهتم بطليموس بايراد القبائل المحلية القاطنة في تلك الامكنة (الفقرتين 5-6) من بينها قبائل ليبية مثل الجرامنتس ، وقد اشار بطليموس في خارطته الليبية الرابعة وتوضيحاتها في الفصل السادس الى مجموعة من الانهار و الجبال الواقعة في ليبيا الداخلية ، من بينها مثلا لا حصرا الجبل الذي ينبع منه نهر كينوبس (وادي كعام) . كما حوت الخارطة الليبية الرابعة موقع اثيوبيا جنوب مصر وليبيا الجنوبية (السودان حاليا على وجه التقريب) ، وقد استعرض بطليموس مواقع تلك المنطقة في الفصل السابع (ص ص.99-110) باقاليمها المختلفة متتبعا نهر النيل جنوبا والمواقع المطلة على الخليج العربي قديما (البحر الاحمر) . كما حوت ذات الخارطة الاجزاء الجنوبية من غالبية الاقاليم السابقة التي تعرض لها بطليموس ، وقد اطلق على هذه المنطقة اسم اثيوبيا الداخلية التي يقصد بها ما عرف من مجاهل قارة افريقية جنوب الصحراء .ويدرك العبد لله الصعوبات التي واجهت أ.د. الدويب لينشر خرائط بطليموس الاربعة الخاصة بليبيا او بالكتاب الرابع ، والتي كان من المفيد ان تلحق بالكتاب . هذه جولة سريعة في الكتاب الرابع من جغرافية بطليموس الشهير التي تيسرت بفضل الترجمة الحصيفة التي تكبدها أ.د. الدويب ليفيد المتخصصين في الدراسات الكلاسيكية بصفة خاصة ، ويضيف لبنة جديدة الى المكتبة الكلاسيكية العربية ، تحية للمترجم والناشر و مزيدا من الاصدارات الجديدة الهادفة والواعدة .
 

المراجع

موسوعة الجغرافيا دراسات وابحاث

التصانيف

تصنيف :الجغرافيا