نبني البيوت أو نشتريها أو نستأجرها، وننفق في ذلك جزءا كبيرا جدا من دخلنا ومدخراتنا، ونتوقع بالطبع أن نحصل على احتياجات أساسية من وراء ذلك، ممارسة حياتنا اليومية بكل تفاصيلها، والخصوصية، والراحة، والسكون، وفي كثير من الأحيان تكون البيوت مقرا رئيسيا أو ثانويا للعمل، وهي بالطبع للتعليم، تعليم الأبناء، والتعليم الذاتي والمستمر.
ويتوقع أن تؤدي البيوت في المستقبل دورا أكبر في التعليم والعمل بسبب تنامي الشبكية وفرص العمل من بعد وتنامي الاتجاه للعمل المستقل والحر، وتنامي دور الأسرة في التعليم ومشاركتها مع المؤسسات التعليمية مع زيادة الاعتماد على الانترنت في التعليم.
نحتاج أن نسأل أنفسنا على مستوى الأفراد والأسر والمؤسسات المعنية بالبناء والتخطيط، ما الذي نحتاجه وما الذي لا نحتاج إليه، وكيف نصمم بيوتنا لتلائم احتياجاتنا الحقيقية بأقل تكلفة ممكنة، وكيف نوظف الطبيعة والبيئة المتاحة في الحصول على احتياجاتنا لنلغي أو نقلل استقدام هذه الاحتياجات بتكاليف وتقنيات مرهقة، كيف نستفيد من الشمس في الإضاءة والتدفئة والحصول على الطاقة للتبريد والتدفئة والتقنية أيضا، كيف نجعل من الطبيعة مصدرا للتهوية الملائمة للصيف والشتاء وتغيرات الطقس من غير حاجة لتدخلات تقنية مكلفة؟
كيف تحتفظ البيوت بدفئها وبرودتها من غير إمداد خارجي متواصل؟ كيف تصمم البيوت وفق الأغراض الكثيرة والمتغيرة، الإقامة، العمل، الضيافة، التعليم، الخصوصية، من غير إضافات كثيرة ومكلفة؟ كيف نوفر مصادر للبناء متجددة وملائمة للبيئة والحياة، وبتكلفة أقل ودون أن ندمر البيئة والموارد؟
المسألة تحتاج إلى جمال وثقافة وخبرات مجتمعية يقدمها المجتمع والمدارس في البناء، وإلى أساليب تخطيط وبناء مشتركة بين المجتمعات والمؤسسات تقوم على المشاركة أكثر من الوصاية، وتحتاج إلى عمليات بحث وتطوير توظف العلوم والتقنيات في عمارة ملائمة، ولكنها قائمة على سؤال احتياجات الناس ومصالحهم وليس المقاولين والتجار، وعلى توجيه جمالي وفني وثقافي.
كنا (وما يزال كثير من الناس حتى في الدول الغنية والمتقدمة) نبني بيوتنا بأنفسنا وفق تقديرنا وفهمنا لحاجاتنا واولوياتنا، وخبراتنا بالمصادر والموارد المتاحة والممكنة للبناء، ولكن وفي تحول مفاجئ وسريع ومنقطع عن الماضي أسندنا مهمة البناء للمهندسين والفنيين، واستخدمنا مواد جديدة في البناء وتخلينا مرة واحدة عن المواد السابقة، والمشكلة في ذلك أننا لم نعد نشارك إلا بنسبة ضئيلة جدا في الاختيار والقرار فيما نحتاجه ونريده في بيوتنا وما لا نحتاجه.
والأسوأ من ذلك كله أننا لم نعد نملك المعرفة والاختيار، ومع الوقت تخلينا عن حقنا، وأصبح المهندسون والمقاولون والفنيون يقررون ويصممون حياتنا وفق اعتبارات هم يحددونها وليس نحن، والكثير منها لا تلائمنا، أو هي تعبير عن مصالح شركات وتجارة استيراد مواد البناء.
لماذا لم نطور الموارد والخبرات التقليدية والمتاحة لأجل بناء بيوت وعمائر وفلل وقصور تلائم الاحتياجات المتطورة والمعقدة، ونقتبس المواد والتجارب في البلاد المتقدمة؟ لماذا كان علينا أن نتخلى نهائيا عن كل ما لدينا؟
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد