فقد العالم الإسلامي بوفاة الشيخ المرجع محمد حسين فضل الله أحد أعلام الفقه والاعتدال، وقد كان رحمه الله بسعة علمه وشموله مرجعا للكثير من المسلمين، يجمع ولا يفرق، وكان يملك رؤية إصلاحية في الفقه والفكر تجمع أتباع جميع المذاهب الإسلامية، وعلى المستوى الشيعي الداخلي، فقد كان معارضا للحكم الديني المسمّى "ولاية الفقيه"، وقد جعله ذلك يتوارى إلى الظل شأن جميع المراجع الشيعية المعارضين لولاية الفقيه، مثل منتظري، الذي كان مفترضا أن يخلف الخميني ويكون هو "الولي الفقيه" ويستمتع بالسلطة السياسية والدينية معا، ولكنه رفض ذلك، وكان فضل الله هو المرجع الرئيسي المعتمد لحزب الله، وضحى بالمكاسب والمغانم لأجل فكرته الإصلاحية.
وقد صدر للعلامة فضل الله مجموعة من الكتب المهمة، يقرأها المسلمون من جميع المذاهب، مثل: من وحي القرآن، الحوار في القرآن الكريم، والمدنس والمقدس، أميركا وراية الإرهاب الدولي،
ويعتبره كثير من أتباعه ومريديه مجددا في الفقه والأصول، يعتمد على الرؤية القرآنية كأساس في الاجتهاد والشمولية في الرؤية الفقهية، وقد منحه الذوق الأدبي الراقي، والقدرة اللغوية المتميّزة فهما أدق وأعمق للنصوص الشرعية. واشتهر عنه فتاواه بتحريم ضرب الذات في ذكرى كربلاء، واعتماد الوسائل العلمية المتقدمة في تحديد أول أيام الشهور القمرية.
في كتابه المدنس والمقدس والذي صدر بعد أحداث الحادي عشر من أيلول يعيد السيد فضل الله تعريف الإرهاب، ويصف من وجهة نظر إسلامية ما تسميه أميركا أعمالا إرهابية، ويستعرض معطيات الحدث العالمي والمواجهات التي حصلت في 11 أيلول (سبتمبر) بين الولايات المتحدة والقوى الإسلامية والعربية على اختلافها وتنوعها وصولا إلى الحرب الأميركية على العراق، ومرورا بالحرب على فلسطين، ويقدم قراءة نقدية للأنشطة الإسلامية ويرى فضل الله أن بعض الاتجاهات الإسلامية قرأت الإسلام وآيات الجهاد والموقف من الكفار وربما قرأت بعض تاريخ العنف، فوصلت إلى نتيجة مؤداها أن الوصول إلى الهدف يكون بعمل عنفي يرضي الحالة النفسية والشعور بالقهر الذي يسيطر على كثير من المسلمين، بغض النظر عما إذا كان يؤدي إلى نتائج في مستوى الهدف أم لا. وهذه هي مشكلة هذه الاتجاهات في فهم التحرك نحو الأهداف الإسلامية، فهم يخلطون بين عنف الفكرة في مواجهة فكرة أخرى وعنف الوسيلة، فعنف الفكرة لا يعني عنف الوسيلة، إلا أن الذهنية غير المثقفة وغير الواعية تخلط بينهما.
ويعتقد فضل الله بأهمية الحوار وأنه يمكن أن يكون أساسا لتجتمع الإنسانية حوله، وعلى الإنسان الاطلاع على أفكار الآخرين، ففي ذلك فهم لفكر الآخر. وكان أول كتاب له قبل 50 سنة هو "أسلوب الدعوة في القرآن"، ثم كان كتابه الثاني هو "الحوار في القرآن"، فالحوار في هذا السياق أحد الأفكار والحلول المهمة للخروج من مأزق العنف والتطرف.
ويلاحظ أنه في مقابل الغياب الكبير المفزع للحوار في حياتنا وعلاقاتنا وعملنا، هناك حضور كبير للحوار في القرآن الكريم ومقاصد الشريعة الإسلامية، حتى يكاد يكون قضية أساسية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد