يوميا، يسجل على ذمة المواطن الأردني دين مقداره 1.3 دينار، في ظل ارتفاع الدين الأردني بحوالي 8.5 مليون دينار يوميا. وهذا التراكم الخطير سيبقى مستمرا طالما ظلت سياسات الإنفاق وتحصيل الإيرادات على حالها.
الحكومات والمسؤولون يسردون، وبشكل دائم، جزئية دعم السلع والخدمات كسبب أدى إلى زيادة في حجم الدين، مغفلين الاختلالات الأخرى الكثيرة التي تؤدي إلى ذات النتيجة، وتحديدا في بند الإنفاق والإيرادات وأخطاء تقدير حجمها.
وأدت سياسات ترحيل المشاكل وتطبيق حلول لها إلى ارتفاع حجم الدين العام (الداخلي والخارجي) المستحق على الأردن إلى 14.3 مليار دينار مع نهاية الربع الأول من العام الحالي، محققا ارتفاعا مقداره 3.1 مليار دينار خلال الإثني عشر شهرا الماضية.

 

وساهم غياب الإرادة في تقليص النفقات ووقف ممارسات الإسراف إلى الاحتفاظ بعناصر الخلل كما هي، بل وأكثر من ذلك تنميتها وزياداتها، ما ساق إلى نتيجة حتمية واحدة، هي زيادة نسبة ارتفاع الدين.
وبعيدا عن زيادة قيمة الدين العام كمعضلة كبيرة، يجد المحلل اختلالات كبيرة وحساسة أيضا في تفاصيل الرقم. إذ تُظهر أن غالبية الدين داخلي، ما يعني اعتماد الحكومات على الاقتراض من البنوك المحلية، ومنافسة القطاع الخاص على الأموال المتاحة للإقراض لصالح القطاع العام، بحيث ارتفع الدين الداخلي إلى 9.75 مليار دينار في نهاية آذار (مارس) الماضي.

 

لكن على الحكومات أن تعي أن تفضيل البنوك لإقراض القطاع العام على الخاص لن يطول في حال ظل وضع المالية العامة على ما هو عليه، وسيترافق ذلك مع تمنع من قبل المؤسسات الدولية عن تسليف الأردن نتيجة مؤشراته المالية السيئة، ما يعني أن يوما قد يأتي ولا يجد فيه الأردن من يقرضه.
مرة أخرى، ومن جديد، على الحكومة أن تضع خطة إصلاح اقتصادية، تقر من مجلس الوزراء على شكل قانون إصلاح، يقر بدوره من جميع القنوات الرسمية، وبحيث يصبح ملزما لكل الحكومات المقبلة، شريطة أن يحظى البرنامج بإجماع وطني، وأن يبتعد عن تقليد تجربة لجنة الحوار الاقتصادي التي شكلت إبان حكومة معروف البخيت، وخرجت بدون نتائج تذكر.
المطلوب اليوم التخلي عن الاستعراض، والتفكير في عمل حقيقي يخرج البلد من المأزق الذي بدأ يسير فيه منذ سنوات، ولا نرى أملا في الخروج منه طالما أن الحكومات تحل وترحل بدون إحداث فرق، باستثناء زيادة حجم الدين العام، وعجز الموازنة، فيما خطوات الإصلاح مؤجلة إلى حين ميسرة.

 

تفاقم المشكلة، وتوقع ارتفاع العجز إلى مستوى 3 مليارات دينار بحاجة إلى جراحة محلية يجريها نطاسي بارع؛ لا تعتمد على إبر التخدير، بل تتخذ إصلاحات حقيقية.
ونجاح الإصلاح مرهون بالابتعاد عن الوصفات المجربة، المقتصرة على رفع الأسعار، واللجوء إلى الحلقة الأضعف وهو المواطن وجيبه، لأن النجاح الحقيقي بحاجة إلى اعتراف بالأخطاء ومراجعتها، حتى نضمن أن نعبر هذا العام بسلام، ولا يدفع الجميع الكلف، وهي مرتفعة هذه المرة.

 

المديونية هذه المرة لن تسدد من الحساب الجاري للمواطن، وثمة رفض لهذا الحل، فلماذا لا يكون الحل مشتركا بين جميع الأطراف؟! 
معالجة هذه المشاكل ليست أمرا سهلا، خصوصا أن بعض السلع التي يوجه إليها الدعم حساسة إلى درجة تهدد الأمن المجتمعي، وتحديدا الخبز والغاز، ولا أدري كم سيملك الفريق الحكومي من شجاعة لاتخاذ مثل هذا القرار الذي تحذر منه المسيرات نهاية كل أسبوع.

 

على الحكومة أن تتذكر دائما التجربة السيئة للأردنيين مع هذا النهج. وقد كان القرار في كل مرة سبيلا إلى تمرير القرارات الصعبة والضحك على المواطن، وإلا هل لأحد المسؤولين أن يجيبنا أين تبخر الدعم النقدي الذي أقر في العام 2008؟
ولو افترضنا جدلا أن الحكومة ذهبت في هذا الاتجاه، فإن عليها أن تضع خطة وسياسة متماسكة، تكفل تسليم الدعم النقدي لمستحقيه، ووضع آلية تحترم كرامات الناس ولا تجعلهم متسولين يقفون على أبواب مكاتب صندوق البريد.
إذا ضمنت الحكومة احترام كرامة المجتمع -وهذا أمر مشكوك فيه- وثبات سياسة الدعم مستقبلا، فلها أن توجه الدعم لمن يستحقه؛ أما استغفال المواطن من جديد فله تبعات خطيرة قد لا تقوى الحكومة على مجابهتها في ظل حالة الاحتقان السائدة.

المراجع

ammanxchange.com

التصانيف

جريدة الغد   جمانة غنيمات  صحافة