نزف خطير يجب وقفه

في الأنباء أن وكالة موديز للتصنيف الائتماني خفضت تصنيف الأردن، مبررة ذلك بكثرة تغير الحكومات إلى جانب أسباب أخرى، ولن يتوقف تأثير الوضع السياسي الضبابي على الوضع الاقتصادي عند هذا الحد، بل سيتمدد ليطال كثيرا من المؤشرات والأرقام.

 

فاحتياطي العملات الصعبة، وهو صمام الأمان الوحيد الذي بقينا نعلق عليه الآمال بحفظ الاستقرار النقدي، أخذ بالتراجع خلال الأشهر الماضية، إذ انخفض من 10.5 مليار دولار نهاية العام الماضي ليبلغ 9.3 مليار دولار نهاية آذار (مارس) الماضي؛ حيث تقدر قيمة التراجع الشهري بحوالي 300 مليون دولار.

 

ولا تبشر المعطيات المحلية والإقليمية بإمكانية تحسن عافيته، حيث تشير التحليلات إلى أن هذا الرصيد سيواصل انخفاضه، وهذا ما ستظهره الأرقام خلال الفترة المقبلة، ولن يتوقف الانخفاض عند حدود الـ 1.1 مليار دولار التي فقدها خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي.

 

أهم الأسباب التي ستؤدي إلى انخفاض الاحتياطي في قادم الأيام تلك المتعلقة بتحويلات الشركات الأجنبية المستثمرة في الأردن، وخصوصا في قطاعات التعدين والاتصالات التي قامت بتحويل أرباحها إلى الخارج خلال الفترة الماضية.

 

وسنشهد مستقبلا استمرار تراجع الاحتياطي، اذ سيستمر قيام بعض أصحاب رؤوس الأموال بتحويل أرصدتهم إلى دولة خليجية لذات الهدف، ويرجح أن يستمر هذا السلوك في ظل ضبابية الوضع السياسي والقلق من عدم استقرار الوضع محليا، والذي يتوقع أن يأخذ منحى تصعيديا خلال الفترة المقبلة.

 

وزاد من سوء الأمور تأخر وصول المساعدات العربية والأجنبية التي وُعدت بها المملكة، والمقدرة قيمتها في الموازنة العامة بحوالي 870 مليون دينار، حيث لم يصل منها سوى 15 مليون دينار حتى الآن، ويتوقع أن يتأخر تسلمها حتى اتخاذ قرارات تتعلق برفع الأسعار على بعض السلع والخدمات مثل الكهرباء والبنزين بشقية 95 بمعدل زيادة يصل 20 %، وبنزين 90 بنسبة طفيفة.

 

المشكلة أن الاجواء الملبدة في البلد والتي سادت خلال الفترة الماضية، ستبقى طالما أن القوى السياسية لم تستشعر نتيجة الإصلاح السياسي بعد، وسيبقى الحال غير مشجع على الاستثمار، ما سيتسبب بانخفاض الاستثمار الأجنبي لمستويات كبيرة، ويؤدي إلى انكشاف بنود تغطية ميزان المدفوعات ومن ضمنها الاستثمار، ويضطر الجهات الرسمية الى اللجوء للاحتياطي لتغطية العجز في ميزان المدفوعات بدلا من الاستثمار.

 

بالأصل حصل تراكم الاحتياطي منذ سنوات لأن الأردن أصبح ملاذا آمنا للاستثمار والأموال، لكن ما يحدث اليوم من تعطيل لمسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل أدى إلى تغير هذه الصورة في أذهان المستثمرين، وأصحاب الأموال.

 

الخطير في وضع الأردن أن تسعى الحكومة الحالية لتمرير حزمة صغيرة من رفع الأسعار، لتحصل على التمويل المطلوب لتمويل العجز الذي صارت تعجز عن الحصول على تمويله من البنوك المحلية، فيما تترك الأهم من محاور الإصلاح المطلوب، بعد أن يمر الوقت دون أن نحرز الإصلاح الاقتصادي المطلوب.

 

مصير الاحتياطي مرتبط بشكل وثيق بالوضع السياسي، وسيناريوهات المستقبل سواء الاستقرار أو الفوضى، وإعادة صورة الأردن الإيجابية والانطباع الطيب عن المملكة في أذهان المستثمرين بحاجة لسرعة البت بالإصلاح السياسي بالدرجة الأولى ويلي ذلك الإصلاح الاقتصادي.

 

وقف النزف بحاجة لبث رسائل تطمين لمجتمع الأعمال الخارجي وللأردنيين العاملين في الخارج ليعاودوا ضخ الأموال للأردن، وبغير ذلك سيبقى الاحتياطي ينزف ويفقد حيويته، لدرجة تستدعي تحويل المريض إلى المستشفى.

 

بقلم جمانة غنيمات.


المراجع

almadenahnews.com

التصانيف

جمانة غنيمات  صحافة   الآداب   العلوم الاجتماعية