حكومة على كرسي متحرك
بعد قرار الحكومة رفع أسعار بنزين "أوكتان 95" بنسبة 25 %، كشفت النتائج أن استهلاك هذا النوع من المشتقات النفطية تراجع إلى النصف، لتصبح نسبة استهلاكه حوالي 10 % من إجمالي استهلاك البنزين.
التراجع في استهلاك بنزين "أوكتان 95" جاء بعد أن تحول المستهلكون إلى استعمال بنزين "أوكتان 90" أو الخلط بين النوعين، لتخفيض فاتورتهم من البنزين، بعد أن وصل سعر هذه السلعة إلى حدود مرتفعة لا يمكن للمستهلك تسديدها. وحتى وزراء سابقون ورجال أعمال غيّروا نمط استخدامهم لهذه السلعة.
القرار أثر على شعبية الحكومة، ورغم ذلك لم يحقق الأهداف المرجوة منه. وهذه نتيجة طبيعية للقرارات غير المدروسة، وعدم الأخذ بالنصائح التي يقدمها المختصون الذين نصحوا الحكومة بزيادة أسعار بنزين "أوكتان 90"، وتثبيت تعرفة "أوكتان 95".
نتائج القرارات تكشف أنها لم تدرس بدقة. ففي المرة الأولى تم تمرير جرعة من قرارات رفع الأسعار اقتصرت على مشتقات نفطية غير مؤثرة في جانب تقليص فاتورة الدعم بشكل كبير، والتي تقدرها الحكومة بقيمة 2.6 مليار دينار.
وجاءت الجرعة الثانية من رفع الأسعار مفاجئة كما الأولى، وتمت بطريقة تبعد الأثر المباشر عن المستهلك المنزلي وصغار التجار والمصنعين. والغاية هي تمرير القرار إلى حين بدء الانعكاس الحقيقي للقرارات على هذه الشرائح.
المشكلة أن نتائج قرارات الرفع التي تمت، وتلك المتوقعة المتعلقة ببنزين "أوكتان 90"، لم تُعلن، وتحديدا ما يتعلق بتأثيرها على تسهيل الحصول على السيولة النقدية من الخارج، وتقليص قيمة العجز الذي يتوقع أن يصل إلى 3 مليارات دينار.
لم يخرج علينا الوزراء ليخبرونا بردود فعل المؤسسات الدولية، وتحديدا صندوق النقد والبنك الدوليين، حيال الخطوات التي تمت، وهل أن هذه القرارات كافية للحصول على رضا هذه الجهات في سبيل الحصول على السيولة المطلوبة منها؛ إذ يتوقع أن يقدم الصندوق قروضا تقارب قيمتها 1.8 مليار دولار، فيما يدرس البنك تقديم تسهيلات بقيمة 500 مليون دولار.
غياب الشفافية والمعلومات الدقيقة حول وضع السيولة، والأزمة التي تعانيها الخزينة في هذا المجال، ما يزال حاضرا وبقوة، والتعامل مع الوعي المجتمعي ما يزال قائما على قاعدة أن المجتمع قاصر، رغم أن حل المشكلة يتم من جيب المواطن ويؤثر على مستوى معيشته، التي ستتراجع دون أدنى شك بعد كل هذه القرارات.
بعد مقدمات طويلة، نرى أن كل ما تم من حلول يعتمد على جانب واحد من المعادلة، إذا ما أخذ بعين الاعتبار الانعكاس المالي المحدود لقرار الاقتطاع من رواتب عاملين في المؤسسات الرسمية جميعا.
ولأن الحكومة عاجزة عن اتخاذ قرارات صعبة تتعلق ببند الإنفاق، وفي ظل المخاطر الكبيرة التي تحدق بالاستقرار النقدي، فإن الرهان على إدراك المواطن واهتمامه بالمصلحة العامة ومصلحة العملة الوطنية يصبح أكثر فائدة من الرهان على الجهات المسؤولة.
الحكومة لم تعدل قانون الضريبة، وأجلت تطبيق زيادة رسوم التعدين، ولم تخفض الإنفاق بالقدر المطلوب، رغم الصعوبات التي تواجهها كل شهر في توفير الرواتب. لكن ذلك ليس بالجديد على حكوماتنا.
ويبقى الرهان في إنقاذ البلد على دافعي الضرائب، وليس معتمدا على إصلاحات حقيقية تتخذها الحكومة.
بكل أسف أقول، إن تجاوز هذه المرحلة الصعبة يتطلب تضحيات جديدة من المواطن؛ فحكوماتنا غير قادرة على تطبيق الحلول، وقراراتها المتتالية في زيادة الأسعار لا تنم عن جرأة، بل عن أزمة فاقد العزم والإرادة والحيلة.
بقلم جمانة غنيمات.
المراجع
ammanxchange.com
التصانيف
جمانة غنيمات صحافة الآداب العلوم الاجتماعية