هذا العنوان لكتاب جديد وهو الثاني من سلسلة الدراسات الحضرية للأستاذ أمراجع محمد الخجخاج .. ماجستير في جغرافية المدن وعضو الجمعية الجغرافية الليبية منذ سنة 2004.
ويعتبر هذا الكتاب دراسة منهجية لمدينة درنه.. يدرس كيانها الحضري بمعنى دراسة التحضر والوصف والتحليل المورفولوجي ويهدف من خلاله الكاتب إلى تسليط الضوء على معالم مدينة درنه الحضرية عبر المراحل التخطيطية الثلاث من فترتي الجيل الأول والثاني على التوالي مع مستشرفات الجيل الثالث كتطبيق عملي لطلبة الأقسام الجغرافية.
تناول الكاتب مراحل التطور الحضري منذ فترة ما قبل الميلاد في أشارته للكهوف المنتشرة على رقعة البلاد حيث وجدت فيها مخلفات الإنسان تعود للعصور الحجرية في سيدي القرباع ووادي الناقة ووادي عين ماره وأشار أيضا لفترة العهد الإغريقي والروماني وإشارته إلى اسمها القديم دارنيس عند بطليموس150ق.م ومن أبرز المعالم في تلك الفترة السور الروماني الذي كان يلفها وتظهر معالمه عند المقهى الصيفي سابقا وغرب شارع المأمون .. وفترة الفتح الإسلامي والتي كانت على يد الصحابي الجليل عمرو بن العاص 22 للهجري والتي يستدل عليها من خلال مقبرة الشهداء الكامنة عند الرافد الشرقي من وادي درنه.
وتطرق في سرده التاريخي للعهد العثماني في هذه المدينة والمتمثل في تولي محمد بي عام 1680 الحكم على درنه وهو ما يسمي بالعهد القرمنلي وأشار إلي العائلات الأندلسية التي فضلت العيش بين بساتين وسواقي درنه والتي وصلت عبر البحر وهي عائلة الأمام وعائلة المؤدب وعائلة عزوز وعائلة الشواعر كما أشار أيضا إلى العائلات القادمة من كريت ومالطا وهي ما نسميها بالعائلات (القريتليه) وكذلك العائلات التي قدمت من الغرب من مصراته وزليتن وتاجوراء والتي حملت نفس التسمية، حيث أسهمت هذه العائلات في إصباغ السمة الحضرية على المدينة وبعد انهيار الدولة العثمانية تم تقسيم المدينه إلى محلات محلة البلاد وهي الأقدم تاريخيا وقد اتسمت بنسيج اجتماعي تشرب ثقافات تركية وأندلسية والأقليات اليهودية وتميزت بوجود المسجد العتيق والكنيسه الكاثولوكيه ومعبد لليهود (السنا غوغا) ومحلة بومنصور والتي كانت أكثر كثافه سكانية ومحلة المغار واشتقاق اسمها من كثرة المغارات بها والتي كان لها دور بارز كمخابئ للأهالي أثناء الحروب وقد تأسست هذه المحلة على يد العائلات المغاربية في البداية وكذلك وجود جامع الرشيد والذي شيد عام 1882 .. كذلك محلة الجبيله والمستمدة اسمها من الجبل التي توجد عليه. كما تعرض الكاتب لبعض المصادر التي تقول أن أول مدرسة بالمدينة كانت عام 1902 وكذلك المستشفى القديم بالعام اللاحق 1903 على يد الراهبات الفرنيسكانيات وبناء الميناء ومكتب البريد وخط اللاسلكي عام1893.
بعد ذلك تحدث عن تأثير الاستعمار الايطالي على المدينة حيث تم حصارها بذلك السور ذو الأربع أبواب باب بنغازي وباب طبرق وباب شيحا وباب الوادي لعزلها عن باقي العالم الآخر نظرا لدورها البارز في إيواء ودعم المجاهدين وقوة شوكة أبنائها، ولم تسلم أيضا من طلينة الأفكار وطمس الهوية العربية والتي ظهرت في تسمية بعض الشوارع بأسماء ايطاليه والتي تم رفضها رفضا تاما وقد حملت المدينة بعض الملامح الايطالية المتمثلة في بعض المباني والتي لازال بعضها إلي الآن.
ثم فترة الإدارة البريطانية والتي جعلت من درنه مقرا لرئاسة مقاطعة الجبل الأخضر مما تسبب في انتعاشها وازدهارها فبرزت فيها قيادات اجتماعيه وثقافيه وتمكنت من نشر الوعي وخلقت مناشط شبابيه وتم إنشاء بعض المدارس وافتتاح مستوصف ومستشفى بيطري وقد كانت السباقة مع بعض المدن الأخرى في التذمر والتمرد والمطالبة بالاستقلال.
وفي الفترة من 51 إلي 69 أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية والتي طالت هذه المدينة كباقي المدن الليبية .. وما أن استلم أبنائها زمام الأمور بالمدينة وبالتحديد عام 1966 حتى شهدت المدينة بعض من المعالم الحضرية الملموسة حيث تم أنشاء معهد للتدريب المهني مع أنشاء ثلاث مدارس ومحطة للكهرباء كما تم في الربع الأخير من الستينات عملية أنشاء بعض المساكن في غرب البلاد وشر قها.
وبعد قيام الثورة شهدت المدينة نهضة عمرانية ومعماريه كبرى شملت جميع المرافق فكان حي الساحل الشرقي وباب شيحه وتم إنشاء بعض المصانع كمصنع الملابس ومصنع الأحذية واللدائن والأسفنج كما ربطت المدينة بغيرها من المدن الليبية بشبكة مواصلات واتصالات إضافة إلى الخطط التنموية.
وفي الفصل الثاني للكتاب تناول الخصائص المكانية من حيث الموقع والذي حدد له لفظ (بيان) للمد ينه وعلاقتها المكانية بالمنطقة المحيطة بها فالموقع الجغرافي الصحيح هو الموقع النسبي للمدينة إذ يفهم من ذلك أن الموقع عمل على تسهيل العلاقة بين المدينة والأقاليم كطرفين مشتركين في الخدمة اقتصاديا وخدميا .. بمعني كلما كانت شبكة الطرق متوفرة لأي مدينه تربطها بالأقاليم الأخرى كلما زاد ازدهارها ونموها وتألقها من جميع الجوانب الاقتصادية والسياسية والدينية والاجتماعية وغيرها وهذا ما حدث بالضبط لدرنه.
بعد ذلك تحدث عن جغرافية المدينة والمتمثلة في العوامل الطبيعية والبشرية وما تؤثرانه في التغيير من شكلها المورفولوجي .. كذلك الموقع الفلكي والعوامل الطبيعية كالمناخ والمتمثل في الحرارة والرياح ونسبة الرطوبة والأمطار والضغط الجوي..
أيضا تحدث الكتاب عن الجيولوجيا من حيث التكوينات الجيولوجية وتكوين ابولونيا وتكوين درنه والبيضاء ومن ثم الأبرق والفائديه وصخور الحقب الرباعي والجيولوجيا التركيبية والاقتصادية. ثم التضاريس والتربة والمصادر المائية.
كما تحدث الكتاب عن العوامل البشرية والنمو السكاني والكثافة السكانية والمورفولوجيا والامتداد الحضري.. ثم تحليل مخططات استخدام الأراضي منذ عام 1966 مرورا بـ 1980 وحتى 2000.
كما جاء في هذا الكتاب التوسع الحضري بالمدينة وتخلل صفحات هذا الكتاب بعض الجداول والبيانات والأرقام الهامة والجديدة والتي تعتبر مرجعا خصبا لكل من أراد أن يطلع ويستفيد ويعرف ما كان يجهله على هذه المدينة الرائعة.
وقد استقى هذا الكاتب المجتهد المعلومات من جمله من المراجع والتي حدد جزء من الكتاب لذكرها للقارئ للحفاظ على حقوق أصحابها من جهة ومن جهة أخرى حتى يتيح لمن أراد التوسع الاطلاع عليها.. ونذكر أسماء أصحابها على سبيل المثال لا الحصر ابريك بوخشيم.. سعد استيته.. ابن سعيد المغربي.. احمد القلال.. احمد الكوافي.. احمد علام.. أمحمد امقيلي.. ((جريفت تيلور))..سالمه المنصوري.. سليمان سويكر.. صالح المزيني وعثمان غنيم.. ومصلحة الآثار.. وقائمه طويلة من الأسماء لا يتسع المجال لذكرها.. أما عن آخر وريقات الكتاب تضمنت صور قديمه للمدينة تدل على أن الكاتب يملك أرشيف لا يستهان به من الصور النادرة قليلة التداول.
 

المراجع

موسوعة الجغرافيا دراسات وابحاث

التصانيف

تصنيف :الجغرافيا