سياسة تسييج الدواوير
بشكل مفاجئ يفض اعتصام الأيتام بالقوة، ويلي ذلك سرعة غيرعادية في تسييج الدوار الرابع الواقع في محيط دار رئاسة الوزراء بسياج حديدي، والهدف الحد من الاعتصامات الاحتجاجية التي تقام في المنطقة، تماما كما حدث سابقا في دوار الداخلية.
والرسالة في كلتا الحالتين واضحة ومضمونها أنه لم يعد مقبولا أو محتملا تنظيم الاعتصامات والاحتجاجات، وأن الحق في حرية التعبير الذي يكفله الدستور لم يعد مصانا.
المضحك في فكرة التسييج، أن تعميمها لن ينجح، فنحن في عمان لدينا ثمانية دواوير فهل سيتم تسييجها جميعا؟ وهل سنشهد تسييجا لكل المواقع التي تقام فيها الاعتصامات وهي كثيرة!.
لو مضت الحكومة في سياسة التسييج، فهل ستضطر يوما ما لتسييج كثير من البيوت الأردنية في عمان وخارجها والتي تدور فيها أحاديث أخطر بكثير من تلك التي تقال على "الدواوير"؟، وهل يتوفر لها في الموازنة بند لهذه الغاية؟
بالتأكيد أن الموازنة العامة لا تحتوي على بند لـ "التسييج" وهذا بند طارئ، ما يستدعي اتخاذ قرار استثنائي بهذا الخصوص، وربما إقراره من مجلس الأمة بملحق موازنة ترصد فيه المبالغ المخصصة لهذه الغاية، كونه سيكلف الكثير.
واقع الحال والاستجابة الرسمية المتواضعة لتطلعات الشارع، يؤكد أن وتيرة الاعتصامات ستزيد، حيث ارتفع عدد الاحتجاجات العمالية التي نفذت خلال النصف الأول من العام الحالي في المملكة ليصل إلى 560 احتجاجا، بزيادة قدرها 16 %، مقارنة مع النصف الأول من العام الماضي، الذي بلغ فيه العدد 484 احتجاجا.
لا أدري والحال كذلك، كم موقعا ستسيج الحكومة، وكم سيؤثر ذلك على عجز الموازنة في ظل أزمة الموازنة الخانقة التي تعجز عن توفير المخصصات المالية لكثير من المشاريع، وهل سيجدي نفعا أن تمضي في سياسية صم الآذان عن كل ما حولها؟ وتمضي في سياسة التسييج؟.
وإذا افترضنا جدلا أن الأموال توفرت لتطبيق سياسة التسييج في عمان، فمن المنطق أيضا إسقاط السؤال على المحافظات، ومن أين ستتوفر مثل هذه المخصصات للمحافظات؟، في ظل أزمة البلديات الخانقة ومديونيتها المتفاقمة، وعجزها عن دفع الرواتب للعاملين، ومن أين ستأتي بأموال لتسييج جميع مواقع الاحتجاج في المملكة؟!.
سياسة" النرفزة" التي صارت مسيطرة على المسؤولين، واعتماد مبدأ رد الفعل وليس الفعل، تؤكد أنهم لم يعودوا يملكون قدرة على تحمل مزيد من الاعتصامات والاحتجاجات، التي طال مداها وزمانها، فجاء القرار "الحكيم" بتسييج كل مكان منعا لكل الحراكات السياسية والمطلبية.
المشكلة أن الدولة عجزت عن الاستجابة لمطالب الإصلاح السياسي، وتجدها فجأة تضيق ذرعا بالأيتام الذين لم يطالبوا بالكثير بل بحقهم في عيش كريم، مع التذكير أنهم ضحايا وليسوا مذنبين وأحوالهم وأوضاعهم ليست من صنع أيديهم، بل هي نتاج سياسات رسمية وإدارات سيئة لدور رعتهم منذ نعومة أظفارهم.
المشكلة ايضا أن الإنفاق على التسييج سيعيد الكرة بهدر المال العام، فالفكرة الخلاقة التي تفتقت عنها عقول مسؤولينا بتسييج مواقع الاعتصام والاحتجاج لن تجدي نفعا، ولن تخفف من عددها، بل ستزيد من حالة الضجر المجتمعي من كل ما هو رسمي، وتضاعف حالة الاحتقان، وتزيد المزاج العام ترديا.
كان الأولى بمسؤولينا أن يضعوا حلولا تخرج البلد من الأزمة لا أن تزيدها تعقيدا، وكان من المجدي وضع حلول سياسية، تصنع توافقا وطنيا، وتوحد الصف وتمتن الجبهة الداخلية، بدلا من سياسة التسييج التي ستزيد الخناق على الكل باستثناء الاعتصامات والاحتجاجات.
لدينا أزمة سياسية وأخرى اقتصادية، والحل ليس بسياسة التسييج التي تلف الحبل حول العنق بجهل أو دراية!.
بقلم جمانة غنيمات.
المراجع
alghad.com
التصانيف
جريدة الغد جمانة غنيمات صحافة الآداب العلوم الاجتماعية