صديق وزميل لي بالعمل، التقيت به صدفة في مكتبي، دون سابق إنذار،  عمره في ريعان الشباب، شكله جذاب، كثير من الفتيات تتمنين الزواج منه، كما علمت لاحقا، من بعض الزميلات بالعمل، عقليتة متحررة، وهو خريج جامعي، حاصل على شهادة بكالوريوس في العلوم، عاش فترة دراسته الجامعية خارج الأراضي الفلسطينية، له علاقات ودية كثيرة مع الجنس اللطيف، غير متحفظ كثيرا في علاقاته مع احد، أسراره على طرف لساته، صريح جدا، بحيث أطلعني على الكثير من أسراره الخاصة، والصور التي يملكها في حوزته، مع صديقاته وأصدقائه، في بداية حياته الدراسية الجامعية، وهو في ريعان الشباب، وحياة اللهو في الخارج.

لم أتوقع له يوما ان يتزوج، لأنه غير مؤمن في الزواج كما قال لي، ولا حتى يفكر فيه،  لأنه كما قال أيضا، لن يصادف، ولم يصادف بعد الفتاة التي تستحق الزواج منه، رغم انه يعرف الكثير من الفتيات الجميلات، في داخل وخارج فلسطين، كما وأنهم (كما يدعي) كلهم يطاردونه باستمرار، و يتابعون أخباره وتنقلاته، كي يظفروا بالزواج منه.

زارني في مكتبي فجأة، كما قلت سابقا، بدون سابق إنذار، وفاجأني أيضا، بأنة قد خطب وكتب كتابه، من إحدى الفتيات، ذات الجمال العادي وغير المثير، دار بيننا هذا الحديث، عندما أعلمني، بأنه سيتزوج منها قريبا، بعد ان تمت إجراءات مراسيم الخطبة وكتب عقد زواجه أيضا.
قلت له:هل تحدثني كيف وصلت الى قناعة في موضوع الزواج الآن، مع انك كنت رافضا للفكرة كلها وحتى النقاش فيها؟

قال:صادفت الفتاة التي كنت أتطلع الى اللقاء بها فجأة، في عرس لأحد الأقرباء كنت أحضره، فقد لفت انتباهي كثيرا، فتاة جذابة جدا وأنيقة، شعرها أشقر وتسريحتها مثل تسريحة" النيجرو " عيناها جميلتان جدا كونهما واسعتان، ترتسم على شفتيها ابتسامة رقيقة وهادئة، انتابني شعور غريب نحوها، شدني كثيرا كي أحدثها وأكلمها،  تابعتها وسألتها بإلحاح وبأدب، عن اسمها، بداية، رفضت ان تبوح لي بذلك، ثم سألتها فيما إذا كانت مخطوبة او متزوجة، رفضت أيضا الإجابة على سؤالي هذا، ولكن مع إصراري وإلحاحي، وعندما رجوتها معرفة ذلك، ردت علي، لكن بعدما أيقنت تماما، ان رغبتي للتعرف عليها ذات أهداف شريفة ونبيلة، وليست بهدف المشاكسة، أو التعرف عليها لأسباب رخيصة.
 
فأجابتني وقالت لي، بأنها غير مخطوبة، ولا متزوجة، بكل جدية وصدق، وأعلمتني بان اسمها هو " دينا “، وطلبت مني صراحة، بأنه إذا كان لدي أهداف نبيلة وشريفة، فإن اقصر الطرق للوصول اليها، هو الاتصال بأهلها، لأنهم هم المسئولون عن موضوع خطبتها وزواجها، كما أنها هي التي تقرر، موضوع الرفض او ألموافقة على الشخص الذي يتقدم لخطبتها، وقالت أن دور أهلها، هو ان ينقلوا لها صفات الشخص المتقدم لطلب يدها، وموقفهم من شخصيته وطبيعته، بعد أن يقابلوه، وأعطتني عنوان سكنها بالكامل، وتركتني، وطلبت مني أن ابتعد عنها بعد ذلك.

قلت له:وماذا تم بعد هذا اللقاء والإعجاب الغير متوقع من قبلك ؟

قال:علمت فيما بعد، بعد تحرياتي الخاصة عنها، ان اسمها: هو دينا " فعلا، وهي خريجة جامعة النجاح في نابلس، قسم علم النفس، وهي من عائلة اجتماعية وغير متزمتة، وراقية، ووالدها شخصية معروفة، ويعمل في سلك التدريس، والكثير من أهلها يحملون الشهادات الجامعية العليا.

قلت له:وكيف كانت الخطوة التالية ؟

 

قال لي:أبلغت أهلي بالأمر (أبي وأمي)، وأبديت لهم رغبتي بالزواج، وما حدث معي في تلك الحفلة، والفتاة التي أعجبت بها، والتي تعرفت عليها، والتي دخلت قلبي من أوسع أبوابه، فلم يمانعوا، ولم يستهجنوا طلبي كثيرا، فوافقوا على ذلك، وذهبوا الى بيت أهلها، حسب الأصول المتبعة، بعد تنظيم موعد للقاء والتعرف، وتعرفوا على أسرتها، فارتاحوا لهم كثيرا، حيث وجدوهم أسرة متفهمين لطلبنا، وأنهم أناس اجتماعيين بطبيعتهم، وأسرتهم من الأسر الراقية والمعروفة والكبيرة في فلسطين، وانه بامكانكم التأكد من كل ما تسالون عنه، ومن خلال لقاء الأسرتين في فترات لاحقة، تم لقائي بها على انفراد، عدة مرات في منزلها، مع حضور وتواجد احد من معارفها، وخلال مناقشاتنا الطويلة، تعرف كلا منا على أفكار الآخر وطموحاته وأحلامه في الحياة.

شعرت بنفسي وكأن هناك (سحر) في عينيها، جذبني وشدني إليها، وكأنني قد وصلت الى هدفي المنشود، بعد طول عناء من البحث، هذا الهدف، الذي كان ضائعا مني منذ مدة طويلة،  وأقنعت في داخلي، بأن هذه هي الفتاة التي كنت ابحث عنها، ولم أكن أجدها، وقد وجدتها، والتي كنت أفكر بها في خيالي، وراودت أحلامي، منذ فترة طويلة.

ما زادني تعلقا بها وعشقا لها، ورغبة فيها ما قالته لي:

 " بأنها تجد بي الكثير من الصفات التي تريدها وتطلبها لزوج المستقبل،  وأن ما لدي من صفات، وما احمله من أفكار، هي نفس الصفات التي كانت تحلم بها في زوج المستقبل، وهي مواصفات الزوج الناجح والمتفهم (حسب رأيها).

قلت له: كيف تعتقد بالخطوات الضرورية التي يجب ان تكون بداية، لشاب للسير في مشروع للزواج ؟

قال لي: في البداية، وحسب ما اعتقد، يجب ان تعجبه فتاة ما، كأن يصادفها في مكان ما، كما حدث معه مثلا، وتكون قد أعجبته من حيث المظهر والجمال والشكل العام، الذي يعتقد في انه يبحث عنه ويريده، وان يتعرف عليها عن قرب، من خلال ان يتعرف على أهلها، وفيما إذا كان هناك أي تشابه او تقارب بين الأسرتين اجتماعيا واقتصاديا، و بينهما بشكل خاص، من النواحي النفسية والروحية والتوافق الذهني والعقلي والجسمي وغيرها من الأمور، التي يرتأيها مناسبة لزوجة، فإذا كانت نقاط اللقاء كثيرة، فلا يجب ان يكون هناك مانع من السير في باقي الإجراءات المتبعة، في مثل هذه الحالات.

قلت له:وماذا عن المهر، وفيما إذا وجدت، بان هناك غلاء بالمهر من جانبهم، او طلب غير متوقع من جانبكم ؟

قال لي:بالنسبة للمهر الذي طلبوه مني، كان خمسة آلاف دينار أردني كمقدم، ومثلها كمؤخر، وفي رأيي كان المهر عاديا ومناسبا، ولم أجد فيه غلاءا او ارتفاعا عن المألوف، ولم اشعر بأن أسرة الفتاة كانوا مغالين فيه.

قلت له:وماذا لو كان المهر مرتفعا، بحيث لا تستطيع دفعه، كما يحدث كثيرا هذه الأيام، فهل ستقبل باستكمال إجراءات الخطبة أم ستنسحب؟

قال لي:حتى لو كان المهر مرتفعا، فأنا ارغب بهذه الفتاة، ولكن باعتقادي يمكن التفاهم على المهر والمساومة عليه، وتقليله الى الحد الممكن والمعقول، فيما لو كان كثيرا ولا اقدر عليه،  حتى اظفر بمرادي، وأكون قادرا على دفعه، وهذه المساومة أحيانا لا بد منها، وليست خطأ او عيبا، ولكن أنا أنصح الأهل دوما، بأن لا يرفعوا مبلغ المهر، إلا إذا كانوا يرغبون بتزويج بناتهم، فالمهر الكبير، يؤدي في الشباب، الى العزوف عن الزواج، وأيضا يدفع بالشابات الى العنوسة.
قلت له:وهل تعلم خطيبتك " دينا " بالوضع السابق لعلاقتك مع الجنس اللطيف، ومغامراتك المثيرة معهم، ودفاعك المتواصل عنهم.؟

قال لي:أنا كنت صريحا معها جدا، عندما التقيتها على انفراد، ومنذ البداية، حتى أنني أعطيتها الفرصة الكافية لكي نتصارح، وتطلع على كافة أوراقي السابقة،  وما في حوزتي من الصور،  ووعدتها بان ما كان لدي من علاقات، لن أكرره ثانية في حياتي الزوجية، ولكن سيبقى عندي من الذكريات الحلوة القديمة، والتي احتفظ بها لنفسي كتذكار لي، عندما كنت أعيش في الغربة، ولا يمكنني العودة الى الوراء الآن، والى حياتي السابقة، لأننا أصبحنا شريكين، ونحن أبناء اليوم، ومسئولين عن كافة تصرفاتنا اتجاه بعضنا البعض.

 

قلت له:وماذا عن الآنسة " دينا "وفيما إذا كان لها تصور معين او أحلام خاصة في زوج المستقبل.؟

 

قال لي:بأنه ليس لديها أحلام خاصة أو غريبة أو كبيرة، أي اكبر مني، وحتى لو كان لها، فنحن أبناء اليوم، وليس هناك من يجبر واحد للآخر على الموافقة أو الرفض، ولا يجب التطلع أو البحث في أحلام خيالية غير واقعية، كأن تكون حلمت بفارس أحلامها يركب جوادا ابيض اللون، ولديه سيارة ليموزين، طولها عشرة أمتار، ولديه قصر، مثل قصر الثقافة، ويملك كنزا من المال، فأنا تمنيتها زوجة لي على طبيعتها، دون أن اعرف تفاصيل حياتها بعد، ولا اعتقد أنها لا تقبل بي، او أنها تطمح بشخص أفضل مني.

 

قلت له:وهل ترغب ان تكون شريكة حياتك جامعية، ان لم تكن فعلا كذلك ؟
قال:نعم أرغبها خريجة جامعية مثلي، ومن مستواي العلمي، وهذا أفضل لي ولها، وبذلك نكون على نفس المستوى من الفهم والتفاهم، وهي كذلك.

 

قلت له:وهل ترغب بان تكون موظفة مثلك ؟
قال لي:نعم، ارغب لها بان تكون موظفة مثلي، وفي وظيفة مناسبة، تتناسب مع دراستها وشهادتها،  لكنها لحد الآن، لم توظف،  وقد قدمت طلبات عدة، لعدة جهات ومؤسسات، من اجل الحصول على وظيفة تناسبها.

 

قلت:وماذا عن علاقتكم المستقبلية بعد الزواج، فيما إذا كنت ترغب بان تكون لك علاقة متقوقعة على ذاتك، أم ستكون علاقاتك منفتحة؟

 

قال:لا أريد ان تكون علاقتي بالمجتمع متزمتة جدا، ولا تخرج كثيرا عن عاداتنا وتقاليدنا،  بل ارغب بان تكون قريبة من الواقع الحالي الذي نعيشه.

 

قلت:وماذا فيما يتعلق بحرية زوجتك الشخصية، من حيث الملابس و الماكياج،  وهل سوف تتدخل في شؤونها الخاصة هذه؟

 

قال:لا، لن أتدخل في شؤونها الخاصة، كملابسها و ماكياجها، إلا بالقدر الذي يزيدها جمالا بالنسبة لي.

 

قلت:هل يشترط بالزواج ان يسبقه حب كي يكون زواجا ناجحا أم لا ؟
قال:أبدا، ليس بالضرورة، فهذه الفتاة، لم اعرفها من قبل بتاتا، ولم ارتبط بعلاقة حب معها مطلقا، ولكن، اشعر بحب كبير نحوها منذ اللحظة التي رايتها فيها، ويمكن للحب، ان يخلق بعد الزواج، ويزداد عمقا ودفئا أيضا.

 

تدخل معنا بالحوار زميل ثالث،  كان يجلس قريبا منا، ويستمع الى حوارنا، وعقب على كلامنا بقوله " بان كل شيء قسمة ونصيب، وليس لأحد دور في ذلك.
 آثرت ان أسأله عن موعد الزواج والحفلة ونوعيتها، خاصة وإنني اعرف بأنه من أسرة كلها فنانين ويعشقون التراث الفلسطيني، وشعراء زجل.

 

فقلت له، وكيف تريد أن يكون العرس؟؟
قال:أريده أن يكون عرسا فلسطينيا وتراثيا صرفا.
قلت:ماذا تقصد بالعرس الفلسطيني والتراثي الصرف؟

 

قال لي:بأنه هو من بلدة في جنين تسمى (الجلمون) وكونه كان يعيش في الغربة، فانه مشتاق لكل شيء فلسطيني، وانه يعتبر العرس الفلسطيني التراثي، من أجمل الصور الفلسطينية التراثية الزاهية، فهو يعبر عن الأفراح الفلسطينية بأسمى صورها التراثية، من زفة العريس الى حنة العروس، والاستعدادات عادة، تجري له قبل عدة أسابيع.

 

قلت له: وكيف هو وضع العريس والعروس في العرس الفلسطيني التراثي؟؟

 

قال لي: في العادة، العريس، يطلق لحيته وشعره ولا يقصهما، إلا قبل حفلة الزواج، العروس تلبس ملابس البيت العادية، ولا تضع أي ماكياج على وجهها او خلافه، إلا عند حفلة زفافها، وكأنها تختزن جمالها ولا تظهره إلا في تلك اللحظة، وكلاهما العروس والعريس، ينتظران يوم زفافهما على أحر من الجمر، و يعدان الأيام بالساعات والدقائق، بانتظار تلك الساعة المباركة، التي سوف يجتمعان فيها في بيت الزوجية على انفراد، وهي ليلة واحدة من ليالي العمر، لا يحدث مثلها غالبا، إلا مرة واحدة، كل منهما يفكر بدوره، ماذا يقع عليه من واجبات، وما له من الحقوق، كل منهما يستجمع شجاعته حتى يكون طبيعيا في ذلك اليوم، التوصيات تنكب عليهما من كل جانب، جانب أهل العروس، وجانب أهل العريس، وكأن العروس والعريس مقبلان على معركة من ينتصر فيها أولا، ينتصر فيها آخرا.

 

سألته عن الفرق بين العرس التراثي والعرس الحديث؟؟

 

رد علي وقال لي: تسود العادات والتقاليد بالريف الفلسطيني، أكثر من سيادة الثقافة والوعي الاجتماعي والعلم، إلا إذا كان العروسان او أحدهما، قد تعلما بالخارج وتثقفا بثقافة حديثة، بعيدة عن العادات والتقاليد، فقد يرغبا بان يكون العرس على الطريقة الحديثة، حيث يجري العرس في قاعة أحد الفنادق، وتكون الحفلة مختلطة غالبا، أي الرجال والنساء والشابات والشباب مع بعضهما البعض، أي الكل يلتقي مع بعضه البعض، أهل العروس وأهل العريس، والأصدقاء والأحباء من المدعوين حيث ترتفع أصوات الموسيقى الغربية الصاخبة.
 
وأحيانا كثيرة، تمتزج بأصوات الموسيقى العربية، وبالرقص الشرقي المعهود، أو الرقص الغربي المألوف، والذي يتحرك فيه الجسم، بل كل جزء فيه، بحركات بهلوانية، تنم عن الطرب الزائد، الذي لا يقدر على أدائه إلا شباب هذا اليوم، حيث لم تكن هذه الرقصات مألوفة، لا في عهد الآباء ولا الأجداد، وغالبا ما تتم مثل هذه الأعراس، بمراكز مدن المحافظات الفلسطينية، وهذه الأعراس، غالبا لا يجري او يجري قليلا، إطلاق للنار فيها، كتعبير عن الفرحة والبهجة، بل تقتصر طقوسها على الرقص الغربي والرقص البلدي، وعند الانتهاء من العرس، وفي الطريق الى عش الزوجية العزيز، تنطلق زمامير السيارات، تنبه الناس بالشوارع، الى ان هناك عرسا فلسطينيا، يرجى الانتباه وفسح المجال له.

 

قلت له: أريد منك صورة العرس التراثي الفلسطيني، وكيف تراه؟؟
قال لي:أنا أعطيك صورة كاملة عن العرس الفلسطيني، ولكن أرجو أن يتسع لي صدرك.
قلت له: لا بأس، أرجو أن تشرح لي ذلك، فأنا مثلك، عشت معظم حياتي في الغربة، أكثر من خمس وعشرون عاما، وأريد أن افهم منك العرس التراثي الفلسطيني.

 

قال لي:في العرس الفلسطيني التراثي، تختلف الصورة عنها، في العرس الفلسطيني الحديث، الغربي الطابع، والذي حدثتك عنه، حيث للرجال مع عريسهم لقاء خاص، يدلون له فيه بالنصائح و الإرشادات، بشتى المجالات، والقصص الشعبية و غيرها، ويتميز العرس الفلسطيني التراثي بالرقصات الشعبية: مثل الدبكة، المشهورة فلسطينيا والمحببة الى قلب كل مواطن، خاصة جيل الآباء والأجداد، وأبناء القرى الفلسطينية عامة، والمواطنين، الذين يحملون الثقافة الوطنية الشعبية، والتي توارثوها عن الآباء والأجداد من الرجال والشيوخ.

 

من هذه ألاغاني التراثية التي توارثوها، أغاني العتابا و الميجانا والسماح والزجل والمواويل الشعبية ورقصات "الطيارة" و"الدحية" وغيرها، مترافقة مع حركات الرقص التراثي، التي تطرب لها الآذان، وتهتز وتتمايل معها الأبدان والأجسام طربا ونشوة.

 

قلت له:ماذا عن صورة العريس والعروس في هذا العرس؟؟
قال لي:صورة العرس عند الرجال مع عريسهم، لا تختلف كثيرا عن صورة العرس عند النساء مع عروستهم، فالزفة هي للعريس، وزفة العروس هي " حناها " والزفة في الحالتين، إشهار لكافة المعارف والأصحاب، بمعنى ان من يعز عليهم ويحبونه، ها قد تزوج فلا تنسوه.
قلت له: ماذا عن الرقص و الدبكة والإيقاع الفلسطيني ؟؟

 

قال: هناك اختلاف في شدة الإيقاع وحركات الرقص، والتي تتناسب مع جنس الرجال و جنس النساء، فالعروس تظهر بأجمل ما لديها من الثياب أمام قريباتها وصديقاتها، وتتباهى بمفاتنها وحناها، والكل يحيط بها ويغنوا لها ألاغاني الشعبية الجميلة، ويرقصوا لها الرقصات المعتادة في مثل هذه المناسبات، مع تعالي أصوات قرع الطبلة او الدف،  عند " صمدة العروس " الكل منشرح الصدر ومسرور من أفراد عائلتي العروس والعريس وأقربائهم وأصدقائهم، و العروس بالعادة، تروح ذهابا وإيابا بين النساء، كل بضعة دقائق، وتبدل ثيابها، وتعود بازهى ما لديها من الثياب، كأنها تقوم بعرض للأزياء،  لما لديها من الثياب، والذي يعرف بجهاز العروس, ومن ضمنها الأثواب ألفلاحي المطرزة، والتي تعتبر من الثياب الغالية جدا، إذا ما قارناها بالثياب غير المطرزة، بالطبع. غالبا ما يقتصر هذا العرض على النساء فقط، من أهل العروسين واحبائهما، وتتغير الرقصات غالبا مع تغير الفساتين، و الدبكة النسائية والأغاني النسائية، ذات طابع إيقاعي خفيف، ألاغاني تراثية، وقعها جميل على النفس، مثل:

 

 " دوس ما آنت دايس يا شوفير، يا محمل عرايس يا دادا، دوس على العقبة يا شوفير، يا طويل الرقبة يا دادا، ولا تتطلع في مراتك، يا شوفير ما حنا مثل خواتك يا دادا…………الخ" ولن ينتهوا من العرس إلا بعد ان يأخذوا أهل العريس عروستهم معهم، ويودعوا أهل العروس بكلامهم المعهود، والمغنى "يخلف عليكم ….. كثر الله خيركم ……الخ".

 

قلت له: وماذا عن العريس؟

 

قال لي:العريس يلبس بدلة زاهية، أعدها خصيصا ليومه هذا، وقد يكون غير معتادا على لبسها، وقد لا يلبسها إلا يوم زفافه، حيث تظهره بأنة عريس حقا، لأنها تغير من مظهره وشخصيته كثيرا، أمام أصدقائه وأحبائه، فهم لم يعتادوا على رؤيته، وهو لابس للبدلة، وواضع للربطة على عنقه، فيظهر بمظهر جديد عليهم، يدل على انه عريس حقا.
قلت له: وماذا عن وجبة الغذاء وخلافه؟؟

 

قال لي:دعوة الغداء، تختلف من عرس لآخر، فالعرس الأكثر تبذيرا وبذخا يعتبره الناس الأكثر كرما، والعرس الأكثر تقنينا، يعتبر الناس فيه العريس " على قد الحال" او بخيلا، و في الحالتين، فان المدعوين لن يتركوا الطعام، إلا وقد ملئوا بطونهم بالرز و اللحم, في الحالة الأولى، تفترش الأرض بالبسط و السجاد، و تصف، صواني الطعام المملوءة رزا ولحما، ويصطف بضعة أفراد حول كل صينية، بحيث لا يزيد عددهم عن ثلاثة أو أربعة أفراد، وهنا بالطبع، عند الأكل، تستخدم الأيدي بدلا من الملاعق، ومنهم من يفضل استعمال الملاعق وهم قلة، ويعتبر ما تحمله اليد الواحدة من الطعام، أكثر من عدة ملاعق، وفي بعض الأعراس، توزع أطباق بلاستيكية مملوءة بالرز واللحم على المدعوين، تكفي لإشباعهم، ويستعمل في تناول الطعام في هذه الحالة الملاعق غالبا، بدلا من الأيادي، طعام الغذاء في الحالتين، أدى الغرض المرجو منه، وهو تقديم وجبة غذاء كريمة لكل مدعو، لكن مع الأسف، المتبقي من الطعام في الحالة الأولى، يفوق المتبقي من الطعام في الحالة الثانية كثيرا، وقد يقوم أصحاب العرس، بتوزيع هذا الطعام المتبقي على الفقراء بالمنطقة، إذا كان بها فقراء حقا، وفي معظم الحالات، فان الفقراء لا يقبلون به، لأنهم يعتبرونه " تالي الطعام " ويعلمون جيدا، بأن ما يجب ان يقدم لهم من الطعام، يجب ان يكون منذ بداية الغداء، وليس بنهايته فيؤول كل المتبقي من الطعام الى سلة القمامة.

 

قلت له:وهل هناك اختلاف بين العرس الفلسطيني في مختلف المحافظات؟؟

 

قال لي:أنا لا أريد عرض العرس الفلسطيني وطقوسه المختلفة بكافة صوره، مع أنه لا يختلف كثيرا في جوهره، فهناك صور متباينة في كافة محافظات الوطن، فلكل محافظة، بل لكل قرية فلسطينية، لها عرسها المميز، وما أردت التنويه إليه، ان هناك بعض المظاهر التي ترافق هذه الأعراس، فالكثير منها ايجابيا، والقليل منها سلبيا.
 
فمثلا ظاهرة " تنقيط " كل من العروس و العريس من قبل الأهل و الأصحاب والأحباء، أثناء حفلة الزواج، والتي يتم فيها دفع مبلغ من النقود او الهدايا العينية، لكلا العروسين، تعتبر من الظواهر الايجابية جدا في العرس الفلسطيني، حيث يعتبر هذا دليلا على الترابط و التواصل الاجتماعي بين الأهل والأصدقاء، مما يخفف عن كاهل العريس و عروسه، جزءا من المصاريف الباهظة التي يتكلفها العريس، لإتمام زواجه، حيث يغطي هذا الدعم، في الكثير من الأعراس، جزءا لا باس به من مصاريف الزواج، هذه الظاهرة، تعتبر مشرفة وايجابية، وعلينا تشجيعها وتثمينها، لأنها تزيد من تعاضد وترابط الأسر الفلسطينية، بعضها مع بعض، وهذا مظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي، يجب ان نحرص عليه ونشجعه، وان نعمل على تطويره، ليكون أكثر فاعلية، وهو جزء من تراثنا الفلسطيني المجيد، يجب الحفاظ عليه.

 

قلت له: وما هي المظاهر السلبية التي قد يتضمنها العرس الفلسطيني في رأيك؟؟

 

قال لي:المظهر السلبي من المظاهر التي يتضمنها العرس الفلسطيني، التي تثير الهلع و الخوف أحيانا، ظاهرة إطلاق النار، تعبيرا عن الفرحة والبهجة، والتي تؤدي في الكثير من الأحيان الى وقوع إصابات بين المدعوين، وقد تؤدي في أحيان كثيرة الى الوفاة، وكأنه لا يمكن التعبير عن الفرحة والبهجة بالعروسين، إلا بإطلاق صليات من الرصاص، وكم تكون المأساة كبيرة، عندما يتحول الفرح الى حزن، إذا ما اخطأ مطلق الرصاص، وأدى بخطئه هذا، الى قتل احد المدعوين، والذي قد يكون القتيل من أقرباء وأحباء العروسين، ممن جاءوا مباركين ومهنئين بهذا الزواج، عندها يتحول هذا الفرح الى حزن وألم، من اجل رصاصة تطلق من شخص غير مسئول، وانا لا اؤيد هذه الظاهرة بالمرة.

 

قلت له:وماذا تقترح في رأيك؟

 

قال لي: هذه الظاهرة، ظاهرة إطلاق النار في الأعراس الفلسطينية، يجب ان تختفي من العرس الفلسطيني، هذا العرس الذي يصور أجمل صورة من صور التراث الفلسطيني، فمن هو المسئول عن منع هذه الظاهرة السلبية من العرس الفلسطيني، خاصة ان هذه الظاهرة تكاثرت في الآونة الأخيرة، وأدت الى وقوع الكثير من الضحايا، وحدوث الكثير من المشاكل، فهل مثل هذا المنع يحتاج الى قرار سياسي أم عسكري، أم انه يحتاج الى إدراك ووعي من المواطن الفلسطيني، لأن يتصرف بحكمة و تعقل, ان ظاهرة إطلاق النار لن تزيد من الفرحة شيئا، بل على العكس من ذلك، فقد تحول الفرحة الى غم وألم كبيرين، نحن في غنى عنه، وأنا أريد عرسي أن يكون خاليا من ظاهرة إطلاق النار بالمطلق، وسوف ترى بنفسك هذا.

 

قلت له:وما هي آلية منع مثل هذه الظاهرة إن لم يكن منعها سياسيا او عسكريا؟
قال لي: الجاهة الكريمة بالقرية و المدينة، مطالبة قبل أي مسئول آخر، ان تضع حدا لهذه الظاهرة المزعجة، فلا داعي ان نحول الفرحة على وجوه العروسين الى حزن، وإنني أؤكد على الإخوة المقبلين على الزواج، على أهمية منع إطلاق النار بالأفراح، كي لا تتحول الفرحة لديهم الى حزن.

 

قلت له:وماذا عن ظاهرة البذخ في الأعراس الفلسطينية؟؟

 

قال لي: ظاهرة البذخ والصرف الزائد عن اللزوم في الأفراح، يجب أن نقلل منها كثيرا، ما أمكننا ذلك، من اجل تخفيف العبء المادي عن كاهل حياة العروسين المستقبلية، وأرجو أن تلقى هذه الملاحظات، آذانا صاغية من ذوي المتنفذين و المؤثرين من أبناء شعبنا الفلسطيني.
سألته أيضا:من أين لك كل هذه المعلومات عن العرس الفلسطيني التراثي؟؟

 

قال لي:بأنه من أسرة كلها فنانين ومحبين للعرس الفلسطيني، وللتراث الفلسطيني، ونحن نعمل على نشره في كل مكان، خاصة بين أبناء شعبنا الفلسطيني.

 

سألته فيما إذا كان لديه اعتراض على التعريف بهويته الشخصية.؟

 

قال:بالطبع أنت تعرف بأن اسمي هو: لطيف --- خريج جامعة القاهرة /كلية العلوم، واعمل في دائرة التسويق،  في إحدى وزارات السلطة الوطنية الفلسطينية في مدينة رام الله.

 

وصلني منه دعوة لحضور عرس زفافه بعد بضعة أيام، في فندق مناسب في مدينة رام الله، حضرنا حفل زواجه، مع كافة الأصدقاء والزملاء والأهل، وقد كان عرسا فلسطينيا وتراثيا متميزا، امتد لساعات طويلة بعد منتصف الليل، وهو يفوق بجماله وبهجته الأعراس الأخرى غير الشعبية.
 
 

المراجع

syrianstory.com

التصانيف

الادب   الآداب