الوقت ينفد فهل نستثمره؟
اليوم في الأردن، ثمة أطراف ثلاثة مؤثرة في المشهد السياسي: الدولة، والإسلاميون، والحراكيون؛ فيما الغالبية العظمى أو الأغلبية الصامتة تائهة بين الأطراف الثلاثة.
والعلاقة بين هذه الأطراف ليست في أحسن أحوالها؛ فالإسلاميون قاطعوا العملية السياسية الأهم وهي الانتخابات، وتفاقمت الفجوة بينهم وبين الدولة إلى حدود غير آمنة، لكن السيطرة عليها ممكنة حتى الآن.
يبدو أن باب الحوار بين الدولة والإسلاميين مغلق الإحكام، ولم يعد بالوارد عودة القنوات بين الطرفين، رغم أهمية الحفاظ عليها، خصوصا أن الاستسلام لحالة القطيعة لا يصب في صالح الجهتين، ما يعني بقاء سياسة المد والجزر بينهما مستقبلا.
الإسلاميون بدورهم يسعون إلى إحكام قبضتهم على الحراكيين ووضعهم تحت جناحهم، لتكريس فكرة أنهم المعارضة الأقوى والأوسع في البلاد. لكن الحراكيين متيقظون لهذه المسألة، ويسعون إلى الخروج من جلباب الإسلاميين ليكون لهم طريقهم الخاصة ونهجهم وتفكيرهم المختلف؛ إذ يسعى القائمون على الحراك إلى الابتعاد عن الإسلاميين، لكن ليس بقدر المسافة بين الإسلاميين وبين الدولة.
أما الحراك والدولة فالمسافة بينهما أيضا تزداد، وسقوف شعارات الحراكيين ترتفع. والسبب الرئيس هو سياسة الإهمال التي اعتمدتها الحكومات في التعاطي معهم؛ إذ لم يسبق أن قامت حكومة من الحكومات الأربع السابقة، كما الحكومة الحالية، بفتح باب الحوار معهم من أجل تقريب وجهات النظر والنقاش حول مطالبهم، والتي تتعلق بالأساس بمطالب اقتصادية اجتماعية.
الحكومات والسلطات، حتى التشريعية منها، تعاملت مع الحراك وفق سياسة إقصائية، تقلل من شأنه، على قاعدة أن عدد المشاركين فيه محدود. وهذا صحيح، لكن لا يوجد ما يمنع من الحوار معهم، حتى لو كان عددهم لا يتجاوز عدد أصابع اليدين؛ فهم أبناء هذا البلد الذين عانوا من التهميش والفقر والبطالة، وفاض بهم الكيل حتى خرجوا إلى الشارع مطالبين بالإصلاح.
حسم الصراع، وتقليص الاختلاف بين العناصر الفاعلة، يعتمدان بالدرجة الأولى على ذكاء هذه العناصر، ومدى قدرة كل منها على استقطاب الآخر ضمن معادلة ثلاثية، من خلال عقد تحالفات بينهم.
في الظاهر، يبدو أن الإسلاميين هم الأقرب إلى الحراك؛ فالطرفان في صف المعارضة. لكن العمق يُظهر اختلافا كبيرا بينهما، خصوصا أن ترتيب الأولويات مختلف بينهما.
الملف الأسخن والأهم بالنسبة للحراكيين محاربة الفساد، وحفظ المال العام والحد من هدره، ويأتي لاحقا توزيع مكتسبات التنمية، ومجابهة الفقر والبطالة، من خلال إعادة النظر في النهج الاقتصادي الذي طبق خلال الفترة الماضية. وليس ذلك أمرا مستحيلا، ففي كل دول الدنيا تجرى مراجعات، ويُعاد النظر في النهج تبعا للنتائج على أرض الواقع.
يأتي قانون الانتخاب والتعديلات الدستورية في الترتيب الثاني من حيث الأهمية لدى الحراكيين، بعكس ما يقدمه الإسلاميون. ما يعني أن فرص الالتقاء بين الدولة والحراك أكبر وأقوى وفقا لهذه المعطيات.
ثمة فرصة قوية لترتيب علاقة طيبة مع الحراكيين، تبدأ من وقف المعالجة الأمنية في التعامل مع شباب الحراك؛ إذ ما المنطق في توقيفهم في محكمة عسكرية؟ وما الغاية من التصعيد ضدهم في هذه المرحلة الحساسة والانتقالية؟ فالمقاربة الأمنية لن تنفع أبدا في إشاعة أجواء مريحة تمهد الطريق لعلاقة صحية مع الحراكيين، وتقلل من منسوب التشكيك بين الطرفين.
التراجع عن الحل الأمني ضد الشباب قد يكون النافذة لنزع فتيل الاحتقان، وفتح حوار حقيقي بينهم وبين الدولة لتقريب وجهات النظر، والتوصل إلى نقاط التقاء بين الطرفين من خلال الاستماع إليهم ولمطالبهم؛ فهؤلاء الشباب مضت عليهم أشهر طويلة في الشارع ولم يجدوا مسؤولا واحدا يجلس معهم ويحاورهم.
الوقت ينفد والشباب ما يزالون في الشارع! لماذا لا نستثمر الحال ونتوصل معهم إلى تسويات تعيدهم إلى الطريق، وتعقلن معارضتهم، ونقدم لهم التطمينات بجدوى الحوار والمشاركة من أجل التغيير المنشود؟
بقلم جمانة غنيمات.
المراجع
alghad.com
التصانيف
جريدة الغد جمانة غنيمات صحافة الآداب العلوم الاجتماعية