ما بعد مسيرة 5 تشرين الأول
بعد إعلان القائمين على مسيرة الموالاة تأجيل موعدها المقرر أمس، وترك الساحة للإسلاميين للخروج في أكبر مسيرة لهم منذ بدء الحراك المطالب بالإصلاح، بدت الأجواء هادئة ورطبة، وتنفس الأردنيون الصعداء بعد أن ضمنوا أن لا مواجهات يمكن أن تقع يوم الجمعة.
بالفعل، مرت مسيرة وتظاهرة الجمعة بسلام، باستثناء تجاوزات بسيطة من عدد محدود حاول الاعتداء على المسيرة، وتم وضع حد لهم وتوقيف بعضهم من قبل الأجهزة الأمنية التي يصف مراقبون دورها وجهدها في حماية المسيرة بالاستثنائيين.
وأهم ما أنجز أمس وتحقق للأردن أنه بقي مختلفا عن دول الربيع الأخرى؛ إذ لم تسل نقطة دم واحدة خلال 21 شهرا من التظاهر والمسيرات. لكن في عمق المشهد، وفي كواليس مسرح العرض، تبدو الأجواء متوترة. فالدولة ماضية في مسيرة الإصلاح، فيما الحزب الأقوى باق في الشارع، ولن يشارك في الانتخابات.
تقدير عدد المشاركين في مسيرة أمس تفاوت من مراقب لآخر؛ إذ قدره البعض بحوالي ثلاثة آلاف مشارك، وهو ما لا يبدو منطقيا. فيما خمّن غيرهم بأن العدد بلغ 25 ألف مشارك. وقفز التقدير لدى آخرين ليصل إلى خمسين ألفا، فيما أعلن منظمو المسيرة أن العدد يقترب من 60 ألف مشارك. وفي المقابل، أكدت مصادر رسمية أن العدد بلغ 8750 مشاركا.
سيبقى عدد المشاركين نقطة خلاف، لكن النقطة الأهم والأبرز تكمن في أن الإسلاميين وغيرهم سيبقون في الشارع وخارج اللعبة السياسية، مطالبين بالإصلاح. وهنا مكمن الخطر.
العدد اليوم يبدو غير مقلق، لكن الخطورة تكمن في أنه معرض للزيادة مستقبلا، في ظل استمرار تجاهل مطالب الإسلاميين، خصوصا أن بقاءهم في الشارع يوفر بيئة خصبة لاجتذاب الغاضبين، كما يعطي الإسلاميين فرصة لاستقطاب جمهور أكبر خلال الفترة المقبلة.
الأشهر المقبلة حبلى بالأحداث والتفاصيل. وقد يكون أبرز العناصر تأثيرا في ذلك، ماهية الحكومة المقبلة، رئيسا وفريقا، لجهة مدى تأثير الاختيار في المزاج العام، الأمر الذي يتطلب الخروج من العلبة التقليدية في اختيار رئيس الوزراء وفريقه السياسي بالدرجة الأولى.
الانطباع الأولي عن الحكومة المقبلة، أنها حكومة تصريف أعمال كما يراها البعض. لكن مهماتها أكبر بكثير من تسيير الأعمال؛ فهي المعنية بمتابعة الترتيب للانتخابات وإجرائها من قبل الهيئة المستقلة للانتخاب، إضافة إلى دور الحكومة في استعادة جزء من الثقة المفقودة.
والدور الأهم لهذه الحكومة يتمثل في تطبيق جزء من خطط رفع الأسعار عن السلع في الفترة المقبلة، بمعنى أنها قد تكون الحكومة الأهم خلال الأعوام الأخيرة من عمر الدولة.
أما القضية الثانية التي ستؤثر كثيرا في كيفية سير الأمور، فتتعلق بما يرد من أخبار عن نية حكومة الطراونة رفع أسعار المشتقات النفطية قبل رحيلها، حسبما تؤكد مصادر حكومية.
ورفع الأسعار قضية بالغة الحساسية للأردنيين، ستؤدي إلى تسخين الأجواء، إن لم يكن غليانها. وعلى الأغلب هي القضية الحاسمة في جذب فئات جديدة للوقوف مع الإسلاميين في الشارع.
المضي في سياسة رفع الدعم يتطلب أن يسبقه الإعلان عن شبكة أمان اجتماعي عادلة، يتم تطبيقها قبل قرارات الزيادة، بحيث يتم امتصاص التبعات الشعبية الغاضبة لهذه القرارات.
حتى إجراء الانتخابات قد يكون سببا في التوتر، فالتشكيك قائم للأسف، وكل من سيفشل في خوضها في ظل هذه الأجواء السائدة، مؤهل لأن يكون جزءا من الحراك.
ما بعد الخامس من تشرين الأول طريق جديدة رسمها الإسلاميون، وللدولة طريق أخرى مختلفة تماما، فهل من الممكن أن تتقاطع الطريقان بعد كل ذلك؟
لا نعلم، ولكن نتمنى؛ لأن في ذلك مصلحة للجميع.
بقلم جمانة غنيمات.
المراجع
albaladnews.net
التصانيف
جمانة غنيمات صحافة الآداب العلوم الاجتماعية