تشهد الساحة العربية تغيرين مهمين يحتاجان لبحثٍ وسؤال حول تأثيرهما على مستقبل المنطقة والحريات والتنمية والعلاقات الدولية والإقليمية، وهما تغير القيادات السياسية وصعود الحركات الإسلامية، فالمنطقة العربية يقودها حكام جدد وتؤثر فيها تيارات سياسية لم تكن من قبل تشارك في الحياة السياسية.
في السنوات القليلة الماضية انتقل إلى رحمة الله عدد غير قليل من الملوك والرؤساء، وتغير الحكم في العراق، ويتوقع أن يتغير رؤساء مصر واليمن انتخابيا في السنوات القليلة القادمة. وبدأت الحركات الإسلامية تشارك في العملية السياسية وفي الحكم أيضا في دول عربية وإسلامية عدة، والحركة الإسلامية اليوم تحكم بالفعل في خمس دول على الأقل، السودان، وإيران، وأفغانستان، والعراق، وتركيا، وتشارك في الحكم أو التنافس السياسي في اليمن والأردن والجزائر والمغرب وفلسطين ومصر والكويت وفي معظم الدول الإسلامية.
والسؤال البديهي والتلقائي بالطبع؛ هل ستشهد المنطقة تحولات سياسية واجتماعية مع صعود القادة الجدد والذين يغلب عليهم أنهم من الشباب؟ وإلى أين ستمضي المنطقة مع هؤلاء القادة؟
وبالطبع فإن العالم يشهد تحولات كبرى ستفرض نفسها في جميع الأحوال، وهي تحولات تتفاعل مع بعضها ولا يمكن مناقشتها منفردة ولكنها منظومة متفاعلة تثير إشكاليات وحلولا تبدو مختلفة عما لو درس كل تحول بمفرده.
ثمة تساؤلات أصبحت جادة وعملية ومخاوف ما زالت قائمة حول رؤية الحركة الإسلامية والتزامها بالحريات الشخصية والممارسات الاجتماعية، وثمة مخاوف أن تستخدم الحركة الإسلامية فرصة الأغلبية الممكن أن تحصل عليها لتطبق سياسات وتشريعات تحاصر كثيرا من العادات والممارسات والحريات الشخصية المخالفة بصراحة أو على نحو ما للإسلام، مثل المشروبات الروحية، والعلاقة بين الرجل والمرأة والاختلاط والفن والموسيقى واللباس، وقد تبدو هذه الاحتمالات رعبا وكابوسا على العلمانيين والليبراليين الذين يخشون أن يتحولوا إلى أهداف للشرطة والقضاء والسلطة التنفيذية على أساس سلوكهم الشخصي المخالف للشريعة الإسلامية، ولكنه يبدو من وجهة نظرهم حريات فكرية وشخصية، ولا يمكنه التخلي عنها، أو أن تتحول الالتزامات الدينية إلى واجبات وطنية تسعى الدولة إلى فرضها بالقوة والقانون، وبرغم التجربة التقدمية للحركة الإسلامية في تركيا والمغرب فهناك تجارب السلفية وطالبان التي حاصرت ضمائر الناس وقهرتها.
ولا يبدو مفهوم "الدولة الإسلامية" أو "تطبيق الشريعة الإسلامية" محددا أو يصدر عنه كيف يمكن التوفيق نظريا وعمليا بين إقرار الحركة الإسلامية بأن الأمة أو الشعوب هي مصدر السلطات وبين هيمنة الشريعة الإسلامية على التشريعات؟ أو كيف تتعامل مع حالة إقرار الهيئات التشريعية التي تعبر عن سلطة الأمة والشعوب لتشريعات واتفاقيات تبدو مخالفة للشريعة الإسلامية؟ بالطبع ثمة مجال للدراسة والنظر في المسألة، ولكن الحركة الإسلامية هي نفسها بحاجة أن تقول رؤيتها للمسألة.
وقد يبدو ثمة تناقض بين مخاوف العلمانيين من دكتاتورية الأغلبية التي ستفرض عليهم تشريعات وممارسات يعتقدون أنها تتناقض مع الحريات وبين مطالبة العلمانيين للحركة الإسلامية أن تقبل برأي الأغلبية عندما يخالف الشريعة الإسلامية، فكيف نطالب الحركة الإسلامية بقبول ما يصدر عن الأغلبية، ونطالبها أيضا ألا تستخدم حق الأغلبية في فرض تشريعات وسياسات خرجت وفق أسس وقواعد ديمقراطية؟
يبدو لي أن المسألتين تحسمهما المجتمعات أكثر مما تحسمهما الديمقراطية، فهي كثيرا ما تكون ظالمة واستبدادية، فمن المعلوم في التاريخ والجغرافيا أن كثيرا من الوجهات والقرارات الاستبدادية إنما صدرت بطريقة ديمقراطية، فحماية الأقلية من الأغلبية هي من أزمات الديمقراطية نفسها وليس من أزمات الحركة الإسلامية.
وعودة إلى مجيء الجيل الجديد من القادة السياسيين، فلم يحمل التغير مفاجآت، ولكن ثمة تحولات دائبة ومهمة، ربما لا تبدو دراماتيكية، لكنها بالتأكيد تصوغ مجتمعات ودولا جديدة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد