بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد:

 

حديثنا في هذا الدرس سيكون -إن شاء الله- عن عقود التوريد وعقود المناقصات والمزايدات، وقبل أن نبدأ بعقود التوريد التي يرد فيها إشكالات كثيرة وتساؤلات خاصة عند من يتعامل بتوريد البضائع والسلع حيث يقع العقد على ما لا يتم تملكه في كثير من الأحيان، وهنا ترد هذه الإشكالية، فيكون المورد لا يملك البضاعة، ويعقد مع صاحب المحل، فيكون قد باع ما لا يملك، بل إن هذا لا يختص بالتوريد، بل حتى بعض أصحاب المحلات عندما يتعاملون مع الزبائن ترد هذه الإشكالية، وهو أنهم قد يبيعون ما لا يملكون، ولهذا سوف نبحث هذه المسألة من التكييف الفقهي لعقود التوريد، وسوف نذكر البدائل والمخارج الشرعية لهذه الإشكاليات الواردة في هذه العقود، ولكن قبل أن نبدأ في الحديث عن عقود التوريد لا بد من الإشارة ولو بشيء من الاختصار إلى عقود سوف نحيل عليها عندما نتكلم عن التكييف الفقهي لعقود التوريد سوف نحيل على عقدين مهمين هما: عقد السلم، وعقد الاستصناع، فلا بد أن نعرف حقيقة السلم، وحقيقة الاستصناع، وشروطهما، حتى إذا أحلنا عليهما تكون الإحالة إلى أمر واضح ومعروف مسبقا.

 

فنبدأ بالحديث عن السلم، ثم الاستصناع، ثم بعد ذلك ننتقل للتكييف الفقهي لعقود التوريد، فنأخذ نبذة مختصرة عن السلم، نقول السلم: في اللغة: مأخوذ من التسليم والإسهام، ويقال له: السلف، بالفاء، واشتهر في بعض كتب الفقه هذه المقولة، وهي أن السلم لغة أهل الحجاز، والسلف - بالفاء - لغة أهل العراق تجدون في كثير من كتب الفقه هذه العبارة: السلم لغة أهل الحجاز، والسلف - بالفاء - لغة أهل العراق
ولكن عندما نتأمل حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة فوجد أهلها وهم يسلفون - بالفاء - ثمار السنة والسنين، فقال: من أسلف - بالفاء - في شيء فليسلف في شيء معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم وهنا النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذا ابن عباس تكلم بناء على هذه المقولة بلغة أهل العراق، وهذا ليس بصحيح، النبي - صلى الله عليه وسلم - يتكلم بلغة أهل الحجاز، ولهذا فهذا يشكل على هذه المقولة. أن نقول: السلم لغة أهل الحجاز، والسلف - بالفاء - لغة أهل العراق.
نقول في هذا الحديث ورد: من أسلف بالفاء، وأنتم تقولون: السلف لغة أهل العراق، ولهذا فالذي عليه المحققون من أهل اللغة أن السلم والسلف لغة أهل الحجاز جميعـا، والمشهور أيضا من لغة أهل العراق هو السلف، على كل حال هذه فائدة لغوية أوردتها هنا لما وردت.
ويعرف الفقهاء السلم بأنه: "عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد". ولنضرب مثالا نشرح به التعريف، نشرح على ضوئه التعريف: أتى رجل إلى آخر وقال له: خذ هذه عشرة آلاف ريال، أسلمت لك هذه العشرة آلاف ريال نقده عشرة آلاف ريال، على أن تعطيني بها مائة كيلو تمر من النوع السكري سلمها لي في منتصف شهر رجب من هذا العام أو من العام المقبل مثلا. أعطاه عشرة آلاف ريال وقال على أن تعطيني مائة كيلو تمر من النوع السكري سلمها لي في وقت كذا في منتصف شهر رجب مثلا من هذا العام أو من العام المقبل، هذا يعتبر سلما، إذا أردنا أن نطبق هذا على التعريف، عقد على موصوف في الذمة، موصوف في الذمة يعني تمر، تقول: تمر من النوع السكري هنا، هذا موصوف في الذمة، ولا تقل: هذا التمر، أو تمر من المزرعة الفلانية، أو من هذه المزرعة، هذا لا يصلح موصوفا في الذمة، الموصوف في الذمة تقول: تمر من نوع كذا، ولا تحدد من أي مكان، وإنما هو في ذمتك تأتي به من أي مكان.
"عقد على موصوف في الذمة مؤجل" لأنه لا بد أن يكون السلم مؤجلا فلا يصح أن يكون حالا، لأنه إذا كان حالا أصبح بيعا.
"بثمن مقبوض في مجلس العقد" يعني لا بد أن يكون رأس مال في السلم، وهو في هذا المثال عشرة آلاف ريال، لا بد أن تسلم في مجلس العقد، وهذا في الحقيقة سيأتي الكلام عنه، وهو من أهم شروط السلم، يعني لا بد أن أعطيك العشرة آلاف الآن على أن تسلم لي مائة كيلو تمر من نوع كذا في وقت كذا، أسلمها لك العشرة آلاف الآن، إذا لم أسلمها لك الآن تصبح المسألة من قبيل بيع الدين بالدين فيقع في الربا.
طبعا السلم مشروع بإجماع - قبل أن نتكلم عن الشروط - نقول: السلم مشروع بإجماع العلماء، يسميه بعضهم بيع المحاويج، لأنه في الغالب يلجأ إليه الفقراء، وهو مشروع بإجماع العلماء، ورد بذلك الحديث الذي ذكرناه في الصحيحين، حديث ابن عباس قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة فوجد أهلها يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث، فقال: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم.
أما شروط صحة السلم فيشترط له شروط البيع، ويضاف لها سبعة شروط، نذكرها على سبيل الاختصار:
الشرط الأول: أن يكون فيما يمكن ضبط صفاته، كالمكيل والموزون والمزروع ونحو ذلك، وإذا قلنا: المكيل والموزون، هذه العبارة تتردد في كتب الفقه والحديث كثيرا مكيل وموزون،
ما الفرق بين المكيل والموزون؟......، يعني المكيل هو: تقدير الشيء بالحجم، والموزون تقدير الشيء بالثقل. فمثلا هذا الصاع، أقول: إذا ملأت هذا الصاع بتمر أو قمح، أقول: هذا صاع تمر، هذا صاع بر، هذا صاع يعني كذا من الحبوب، وأما الموزون تقدير الشيء بالثقل، معنى ذلك أن المكيل قد أضع فيه تمرا من النوع الثقيل وقد أضع فيه تمرا من النوع الخفيف، وقد أضع فيه برا من النوع الثقيل وقد أضع فيه برا من النوع الخفيف، فيكون أيهما أدق، الكيل أو الوزن؟ الوزن أدق بكثير، ولهذا ترك الناس في هذا الزمان الكيل، ما في أحد الآن يتعامل بالكيل، لأن الوزن أدق من الكيل، حتى في الأشياء المكيلة مثل التمور مثلا، أو مثل الحبوب، أصبح الناس الآن يزنونها وزنا، وإن كانوا يسمونها كيلا لكن هو في الحقيقة وزن، ولذلك زكاة الفطر وردت في الشرع بالكيل "صاع" والناس يتعاملون بالوزن، ولهذا عند تحويل الكيل إلى وزن لا بد من الاحتياط، لا بد من احتياط التقدير، لماذا؟ لأن مثلا صاع من الأرز مثلا في زكاة الفطر عندما تريد تحويلها إلى كيلو جرامات قد تضع مثلا في هذا الصاع من النوع الثقيل، وقد تضع من النوع الخفيف، وهكذا من البر، وهكذا من التمر فيختلف الوزن، قد يكون مثلا وزن هذا الصاع كيلوين وأربعين جرام، قد يكون كيلوين ونصف، قد يكون أكثر، ولهذا ينبغي الاحتياط في التحويل، ولهذا مشايخنا قال: إن الصاع يقدر بثلاثة كيلو جرامات تقريبا، ولا بد من ضابط لكلمة تقريبا لأنه لا يمكن أن تحول الكيل إلى وزن على وجه دقيق بل لا بد من شيء من الاحتياط، لأن هذا الشيء الذي يوضع في هذا الصاع قد يكون ثقيلا وقد يكون خفيفا فهو يختلف.
هذه فائدة وردت معنا أحببنا أن نشير لها هنا، وهي في الحقيقة فائدة مهمة خاصة فيما يتعلق بتحويل المكيل إلى موزون. فنقول الشرط الأول: أن يكون السلم فيما يمكن ضبط صفاته، إما بكيل وإما بوزن وإما بزرع وإما بغير ذلك، أما إذا كان لا يمكن ضبط صفاته فإنه لا يصح السلم فيه.
والواقع أنه في الوقت الحاضر أصبح يمكن ضبط كثير من السلع، بل إننا نجد في كتب الفقه بعض الأمثلة التي ذكرها الفقهاء وقالوا إنه: لا يصح السلم فيها؛ لكونها لا تنضبط صفاتها لأنها في زمنهم لا يمكن ضبط صفاتها، أما في وقتنا الحاضر فيمكن ضبط صفاتها بدقة متناهية، وأضرب لهذا مثالا، مثال القدور، لما قال الفقهاء: إنه لا يصح السلم في القدور؛ لأنها لا يمكن ضبط صفاتها، هذا قد يكون قدرا كبيرا وهذا صغيرا وهذا واسعا وهذا ضيقا، لكن في الوقت الحاضر يمكن ضبط القدور بدقة، بأن تذكر الشركة والبلد والرقم، وبذلك يمكن ضبط القدور بدقة متناهية حتى، ولهذا فهذا المثال نجده مثلا في كتب الفقه، ولكن لا بد أن ينظر طالب العلم إلى أن هذا المثال الذي ذكره الفقهاء بناء على ما هو موجود في زمن الفقهاء قديما، لأنه لا يمكن ضبط مثلا هذا المبيع في زمنهم، لكن في وقتنا الحاضر أصبح يمكن ضبط كثير من السلع بدقة كبيرة، إذن هذا هو الشرط الأول.
الشرط الثاني: أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهرا، يعني لا بد من ذكر الصفات التي يختلف بها الثمن اختلافا ظاهرا، فيذكر جنسه ونوعه وقدره وبلده وحداثته أو قدمه، وغير ذلك من الصفات التي يختلف بها الثمن ظاهرا، يعني مثلا لو كان يريد أن يسلم في السيارات لا بد أن يذكر نوع هذا السيارة، لونها، الموديل، الشركة المصنعة، إلى غير ذلك من الأمور التي يختلف بها الثمن اختلافا ظاهرا.
الشرط الثالث: ذكر قدر المسلم فيه، فلا يصح السلم بدون ذكر قدره، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وهذا الشرط محل اتفاق بين العلماء، لا بد إذن أن يذكر قدره.
الشرط الرابع: ذكر أجل معلوم له وقع في الثمن، وبناء على ذلك لا يصح أن يكون السلم حالا، ففي مثالنا السابق لو قلت لك: هذه عشرة آلاف ريال على أن تسلم لي الآن مائة كيلو تمر من نوع كذا، فيكون هذا يعتبر بيعا، ويكون هذا قد باع لي ما لا يملك، وقد اختلف العلماء في هذا الشرط، فالجمهور على أنه لا بد من ذكر أجل معلوم، جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة قالوا: لا بد من ذكر أجل معلوم، واستدلوا بظاهر الحديث، حديث ابن عباس: من أسلم في شيء فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم والقول الثاني: هو مذهب الشافعية أنه لا يشترط هذا الشرط، بل يصح أن يكون السلم حالا، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أنه يصح أن يكون السلم حالا بشرط أن يكون المسلم فيه موجودا في ملكه، وهذا هو القول الصحيح في المسألة، ففي مثالنا السابق يعني لو قال: عطى عشرة آلاف ريال، قال: خذ هذه عشرة آلاف ريال على أن تسلمني هذه البضاعة أو هذه السلعة الآن، وكان هذا الشخص له مؤسسة كبيرة ولها فروع في عدة مناطق ويملك هذه البضاعة، فعلى رأي شيخ الإسلام ابن تيمية يصح هذا، وإن كان على الجمهور لا يصح، لكن على القول الثالث وهو الذي اختاره شيخ الإسلام يصح وهو القول الصحيح، لأنه الإشكال في ما إذا كان السلم حالا هو أنه قد يبيع ما لا يملك، لكن إذا اشترطنا هذا الشرط فقلنا: بشرط أن يكون المبيع في ملكه زال هذا المحظور، والأصل في المعاملات الحل والإباحة، فيكون القول الصحيح في هذا الشرط أنه يصح أن يكون السلم حالا بشرط أن يكون المبيع في ملكه.
الشرط الخامس: أن يوجد المسلَم فيه غالبا في وقت حلول أجله، يمكن تسليمه في وقته، ومثل الفقهاء لهذا قالوا: فإذا أسلم مثلا في رطب فلا بد أن يكون في الصيف ولا يكون في الشتاء، أما إذا أسلم في رطب في الشتاء فإن هذا لا يصح؛ لأن الرطب لا يوجد في الشتاء، أو أسلم في عنب فلا بد أن يكون في الصيف ولا يكون في الشتاء، وقال ابن قدامة: لا نعلم في هذا الشرط خلافا.
الشرط السادس - وهو في الحقيقة أهم الشروط: أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد، قبض رأس مال السلم في مجلس العقد، لأنه إذا لم يقبض الثمن في مجلس العقد أصبح من قبيل بيع الدين بالدين، وهو محرم بالإجماع، وهذا الشرط هو في الحقيقة من أهم الشروط، وهو الذي يحصل به الإخلال الآن عند من يريدون تطبيق السلم، فعندما أعطيك عشرة الآف ريال على أن تسلم لي هذه البضاعة من نوع كذا في وقت كذا، لا بد أن أسلم لك الآن عشرة آلاف ريال كاملة أنقدها لك الآن، فإن لم يحصل نقد رأس مال السلم الآن أصبحت المسألة من قبيل بيع الدين بالدين، كيف من قبيل بيع الدين بالدين؟ يعني المسلم فيه أصلا دين سلمه لي فيما بعد، ربما بعد سنة أو سنتين أو ثلاث، فإذا أيضا أصبح رأس المال دينا لم أسلمه لك الآن أصبحت المسألة كلها من قبيل بيع الدين بالدين، وهذا لا يجوز، فلا بد إذن من تسليم رأس مال السلم كاملا، وهذا الشرط متفق عليه في المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، إلا أن المالكية أجازوا تأخير تسليم رأس المال ثلاثة أيام، ورأوا أن ثلاثة أيام مما تتسامح فيها الشريعة، كما في حديث: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث نهى أن تحد المرأة على غير زوجها أكثر من ثلاثة أيام لا يحل للمهاجر أن يبقى بعد طواف الصدر أكثر من ثلاثة أيام إلى غير ذلك من النصوص، فكأن المالكية رأوا أن ثلاثة أيام مما يتسامح فيه الشرع، فأجازوا تأخير تسليم رأس مال السلم إلى ثلاثة أيام فقط، أما بعد ثلاثة أيام فباتفاق العلماء أنه لا يجوز تأخير تسليم رأس مال السلم، وقد أخذ بهذا المجمع الفقهي أخذوا برأي المالكية في المسألة، ورأوا أن هذا فيه توسعة على الناس خاصة في السلع الكبيرة، فقد يتعذر تسليم رأس المال في نفس الوقت، فأخذ المجمع الفقهي برأي المالكية وقالوا: إن فيه توسعة على الناس وخاصة في الوقت الحاضر الذي ربما يتطلب السلم تأخير رأس المال قليلا.
الشرط السابع: أن يسلم في الذمة، أي: أن يكون المسلم فيه غير معين، أما إذا كان معينا فإنه لا يصح، فمثلا في مثالنا السابق يقول: خذ هذه عشرة الآف ريال على أن تسلم لي مائة كيلو تمر من نوع كذا، تسلمها لي في وقت كذا، ولا يقول: مائة كيلو تمر من هذه المزرعة أو من هذا البستان؛ لأنه إذا قال ذلك فإنه ربما لا تثمر - يعني - النخيل في ذلك العام، ربما لو أسلم في الثمار من هذا البستان أو هذه المزرعة ربما لا تثمر، ربما تتلف، ولذلك لا بد أن يكون في الذمة، ولا يصح أن يكون معينا، لا بد أن يكون السلم في الذمة، ولا يصح أن يكون شيء معينا.
هذه هي شروط صحة السلم وسوف نرجع ونطبقها إن شاء الله على عقود التوريد، لكن نريد أيضا أن نأخذ نبذة مختصرة عن عقد الاستصناع.
فنقول: الاستصناع معناه في لغة العرب: طلب صناعة الشيء، واستصنع الشيء أي دعا إلى صنعه، ومعناه في اصطلاح الفقهاء: "أن يطلب إنسان من آخر شيئا لم يصنع بعد ليصنع له طبق المواصفات المحددة بمواد من عند الصانع مقابل عوض محدد ويقبل الصانع بذلك" ويلاحظ في هذا التعريف أن العقد يقع على ما سيصنعه الصانع، فالعين والعمل من الصانع جميعا، أما إذا كانت العين من المستصنع وليست من الصانع فإن العقد في الحقيقة يكون إجارة لا استصناعا، يوضح هذا بمثال: لو ذهبت لخياط وطلبت منه أن يفصل لك ثوبا والقماش من الخياط هذا يعتبر استصناعا، قلت له ممكن تفصل لي ثوبا من قماش كذا تسلمه لي في وقت كذا هذا يعتبر استصناعا، لكن لو أنك أتيت بقماش وأعطيته إياه وتريد مثلا أن تخيط لي ثوبا من هذا القماش، فإن هذا لا يعتبر استصناعا وإنما يعتبر إجارة، فإذا كانت المواد والعمل من عند الصانع فإنه يعتبر استصناعا، أما إذا كانت المواد من عند المستصنع فإنه يعتبر إجارة، ولا يعتبر استصناعا.
مثال آخر: رجل طلب من مقاول أن يبني له بيتا، والمواد من عند المقاول فهذا يعتبر استصناعا، لكن لو أنه طلب من هذا المقاول أن يبني له بيتا وتعهد له بأن يحضر له مواد البناء فإن هذا لا يعتبر استصناعا وإنما يعتبر إجارة.
إذا هذا العقد بهذا المعنى الذي ذكرناه منع منه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلا إذا توفرت فيه شروط السلم، جميع شروط السلم ومنها: تسليم رأس المال كاملا في مجلس العقد، وبناء على ذلك على رأي الجمهور لو ذهبت تخيط ثوبا لا بد أن تنقد الخياط رأس المال كاملا وإلا ما صح، وهكذا بالنسبة للمقاول في بناء البيت وسائر - يعني - ما يمكن أن يمثل به بهذا العقد.

 

والقول الثاني في المسألة وهو مذهب الحنفية: أن عقد الاستصناع عقد مستقل متميز عن السلم وليس نوعا من السلم حتى نشترط فيه جميع شروط السلم، وإنما هو عقد مستقل متميز عن السلم بمسائله وأحكامه، ولا يشترط فيه تسليم رأس المال بل يجوز تأجيل رأس المال كله أو بعضه، وقول الحنفية في هذه المسألة هو الراجح، وهو الذي عليه عمل المسلمين من قديم الزمان، بل قال بعض العلماء: إنه يشبه أن يكون هذا إجماعا عمليّا من المسلمين على الاستصناع، ولو أخذنا بقول الجمهور في المسألة للحق الناس حرج كبير في الحقيقة، وإذا أردت أن تخيط الثوب لا بد أن تنقد جميع الثمن للخياط، لو أردت أن تبني عمارة لا بد أن تنقد جميع الثمن للمقاول، أردت أن تستصنع مثلا بابا أو - أي سلعة - لا بد أن تنقد جميع رأس المال، يعني تسلم رأس المال مقدما كاملا، وهذا فيه حرج كبير على الناس في الحقيقة، بل لا يسع الناس في الوقت الحاضر إلا قول الحنفية في المسألة، وكما ذكرنا يشبه أن يكون - يعني - الإجماع العملي من المسلمين على رأي الحنفية في هذه المسألة،
وعلى هذا قرر المجمع الفقهي الإسلامي الأخذ بقول الحنفية في هذه المسألة، لأن القول أيضا بأنه نوع من السلم ولا بد أن تشترط فيه شروط السلم لا دليل عليه في الحقيقة، ليس عليه دليل ظاهر ويلحق الناس بسببه حرج كبير ولو أراد شخص أن يذهب إلى خياط مثلا وكان حنبليا مثلا أو شافعيا فلا بد أن ينقد الثمن كاملا وإلا ما صح هذا العقد لابد أن ينقد الثمن كاملا عندما يبني بيتا عندما يستصنع أية سلعة لكن قول الحنفية كما ذكرت يعني فيه شيء من التوسعة على المسلمين وعليه عمل المسلمين من قديم الزمان والحمد لله، فيكون القول الراجح في هذه المسألة القول بجواز الاستصناع وأنه عقد مستقل عن السلم، ومما استدل به لهذا ما جاء في صحيح البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اصطنع خاتما من ذهب وجعل فصه في بطن كفه إذا لبسه، فاصطنع الناس خواتم من ذهب، فرقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إني كنت اصطنعته وإني لا ألبسه فنبذه، فنبذه الناس ثم أصبح - عليه الصلاة والسلام - يتخذ خاتما من فضة، ولهذا يجوز لبس الخاتم من فضة، أما الذهب فإنه محرم على الرجال، وأما الفضة فإنه يجوز، وهل يقال: إنه مستحب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لبس خاتم الفضة؟ الصحيح في هذه المسألة أنه إذا كان الإنسان يحتاج إلى خاتم من فضة لختم ونحوه كأن يكون قاضيا فإنه يكون لبس الخاتم في حقه مستحبا، أما إذا كان لا يحتاج إليه فإنه يكون مباحا، فإذا كان مثلا قاض يحتاج إلى لبس الخاتم يكون هذا يكون الخاتم مثلا عليه ختمه فإنه يكون مستحبّا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما لبس الخاتم كان منقوشا عليه محمد رسول الله، يحتاج أن يختم بهذا الخاتم الكتب والرسائل التي يرسلها إلى رؤساء وملوك العالم، فإذا كان مثلا يحتاج إلى هذا الخاتم كأن يكون قاض فيكون مستحبا، أما إذا كان لا يحتاج إليه فإنه يكون مباحا لكن بشرط أن يكون من الفضة لا من الذهب، ومحل الشاهد من هذا الحديث هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اصطنع خاتما فدل ذلك على مشروعية الاستصناع، وأما ما فيه من الجهالة والغرر فإنه مغتفر بجانب المصلحة الكبيرة، وهكذا فإن السلم أيضا فيه جهالة وغرر إلا أن هذا الغرر مغتفر بجانب المصالح المترتبة عليه، ونجد أن الشريعة تبيح بعض الأشياء التي فيها غرر وجهالة إذا كانت المصالح المترتبة عليه كبيرة، فالسلم والاستصناع فيهما شيء من الغرر والجهالة فإنه يعتبر بيع معدوم ولكن أبيح ذلك لما فيه مما يترتب عليه من المصالح الكبيرة، كما أن الشريعة مثلا أباحت بيع العرايا مع أنه بيع رطب بتمر، والأصل فيه المنع مع التفاضل إلا أن الشريعة أباحته لما في ذلك من المصالح الكبيرة.

 

فالاستصناع يكون من هذا الباب، ويفترض في عقد الاستصناع تحديد مواصفات الشيء المطلوب صناعته تحديدا دقيقا يمنع من التنازع، وذلك يكون بذكر الصفات التي يختلف بها الثمن، فيذكر جنس المستصنع ونوعه وقدره وأوصافه المطلوبة، وكذلك أيضا يشترط تحديد الأجل قطعا للنزاع ولا يشترط في عقد الاستصناع تعجيل الثمن، هذا لاحظ أن هذا الشرط في السلم لكن في الاستصناع ليس بشرط، ففي الأمثلة السابقة التي ذكرنا مثلا عندما تذهب إلى الخياط لا يشترط أن تسلم له الثمن، فإذا سلمت له الثمن أو سلمت بعضه أو أجلته كله جاز ذلك على القول بجواز الاستصناع وهو الصحيح، وهل يجوز الشرط الجزائي في الاستصناع،

 

الشرط الجزائي وهو: أخذ غرامة مقابل التأخير، والصحيح في الشرط الجزائي أنه لا بأس به، وقد بحث الشرط الجزائي مجلس هيئة كبار العلماء قديما وأصدر فيه قرارا بالجواز في غير الديون، وهكذا مجمع الفقهي الإسلامي أيضا أصدر فيه قرارا بجوازه لكن في غير الديون، أما الدين فإنه لا يجوز الشرط الجزائي فيه؛ لأنه يجعله كربا الجاهلية إما أن تقضي وإما أن تُربي، نقول مثلا: تطلب آخر دينا ثمن مثلا بضاعة فلما حل الدين قلت له: إذا تأخرت عن السداد أحسب عليك شرط جزائي وهو مثلا مائة ريال عن كل يوم تأخير فهذا محرم بل هو ربا الجاهلية الصريح إما أن تقضي وإما أن تربي، لكن الشرط الجزائي في غير الديون كما لو كان في عقد الاستصناع لا بأس به، فمثلا تقول تتفق مع مقاول يبني لك بيتا خلال ستة أشهر، وتتفق معه على أنه إن تأخر عن الستة أشهر يدفع لك غرامة قدرها مثلا مائة ريال عن كل يوم تأخير، هذا لا بأس به فالشرط الجزائي في عقد الاستصناع لا بأس به اتفق مع شخص أن يورد لك سلعة وهي مما يستصنع ووضعت عليه شرطا جزائيا قلت: على أن تدفع غرامة قدرها كذا عن كل يوم تأخير هذا لا بأس به فالشرط الجزائي في غير الديون لا بأس به أما في الدين فإنه محرم.

 

هذه نبذة مختصرة عن عقدي السلم والاستصناع.
بعد ذلك ننتقل لعقود التوريد وقد بحثها مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة التي عقدت بالرياض عام 1421هـ وقرر في عقد التوريد:
أولا: تعريف عقد التوريد:
عقد التوريد هو: عقد يتعهد بمقتضاه طرف أول بأن يسلم سلعا معلومة مؤجلة بصفة دورية خلال فترة معينة لطرف آخر مقابل مبلغ معين مؤجل كله أو بعضه.
يكون مثلا لك محل وتتفق مع شخص مورد يورد لك البضائع والسلع، يكون مثلا محل بيع أدوات كهربائية أو أدوات سباكة أو أي محل من المحلات وتتفق مع مورد يورد لك مثلا بضائعا أو سلعا، فكيف تعقد معه العقد وهذا المورد لا يملك البضاعة التي يراد توريدها، إن عقدت معه العقد مباشرة الآن يكون قد باع لك ما لا يملك وهنا يرد الإشكال.

 

ونقول بعد ذلك ثانيا: إذا كان محل عقد التوريد سلعة تتطلب صناعة فالعقد استصناع تنطبق عليه أحكامه، وقد صدر بشأن الاستصناع قرار المجمع - يعني - وهو القاضي بالجواز، فإذا كان محل عقد التوريد سلعة تتطلب استصناعا فالأمر فيها سهل؛ لأنه نكيف هذا العقد على أنه عقد استصناع، وعقد الاستصناع لا يشترط فيه تسليم الثمن، وقلنا: إن عقد الاستصناع القول الراجح - وهو مذهب الحنفية - أنه جائز ولا يشترط فيه تسليم الثمن، وإن كان على رأي الجمهور أنه لا بد فيه من تسليم رأس المال وإلا لم يصح، لكن قلنا أن القول الصحيح أنه لا يسع الناس إلا هذا القول هو جواز عقد الاستصناع، وبناء على ذلك إذا كان السلع التي يراد توريدها تتطلب صناعة فيكون عقد استصناع ولا يشترط تسليم جميع الثمن، فمثلا إذا كان صاحب المحل اتفق مع المورد على أن يورد له سلعا وهذه السلع سوف تستصنع في الداخل أو في الخارج فهنا يعتبر عقد استصناع، سواء سلم له الثمن كله أو بعضه أو لم يسلم له الثمن لا إشكال في هذا لأنه عقد استصناع لا يشترط فيه تسليم الثمن.

 

ثالثا: إذا كان محل عقد التوريد سلعة لا تتطلب صناعة، وهي موصوفة في الذمة يلتزم بتسليمها عند الأجل، فهذا يتم بإحدى طريقتين - إذا اتفق معه على أن يورد له سلعة هذه السلعة لا تتطلب صناعة حتى نكيفها أنها عقد استصناع لا تتطلب صناعة هذا إذن يكون بإحدى طريقتين:
الطريقة الأولى: أن يعجل المستورد الثمن بكامله عند العقد، فماذا يكون هذا؟ يكون سلما، فهذا عقد يأخذ حكم السلم، فيجوز بشروطه المعتبرة شرعا التي ذكرناها. إذن إذا كان قد عجل له الثمن كاملا يعتبر سلما، ولكن الواقع أن الناس الآن يندر أن أحدا يعجل للمورد الثمن كاملا، بل يقول يعني يعطيه مثلا إما أن يؤجل له الثمن أو يعطيه بعضه لكن أن يعجل له الثمن كاملا هذا قليل في الناس لكن لو قدر هذا فيكون سلما، إذا عجل له كامل الثمن قبل توريد البضاعة فيكون هذا سلما.

 

الطريقة الثانية: إن لم يعجل المستورد الثمن بكامله عند العقد، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه مبني على المواعدة الملزمة بين الطرفين، وهي تشبه العقد نفسه، فيكون ذلك من بيع الكالئ بالكالئ يعني من بيع الدين بالدين، وهذا مع الأسف هو الذي عليه عمل كثير من الناس الآن، وهو الإشكال الذي أشرت إليه في مقدمة هذا الدرس، فتكون السلعة التي يراد توريدها لا تتطلب صناعة، والمستورد لا يعجل الثمن وإنما يؤجل الثمن كله أو بعضه، فهنا ترد هذه الإشكالية فتصبح المسألة من قبيل بيع الدين بالدين، كيف من قبيل بيع الدين بالدين؟ يعني إذا أجل الثمن، أجل المستورد الثمن والبضاعة التي يراد توريدها أيضا مؤجلة، فهذا دين، وهذا دين، وأصبحت المسألة من قبيل بيع الدين بالدين وهو محرم، وهذه إشكالية كبيرة في عقود التوريد، ينبغي التنبه والتبيه عليها، أما إذا كانت المواعدة غير ملزمة - وهذا يعتبر مخرجا - أما إذا كانت المواعدة غير ملزمة لأحد الطرفين أو لكليهما فتكون جائزة على أن يتم البيع بعقد جديد أو بالتسليم، إذا كان على سبيل الوعد غير الملزم، فيقول صاحب المحل للمورد صاحب المحل المستورد للمورد يقول: أرغب أن تورد لي السلعة الفلانية -ويذكر مواصفاتها - وأعدك بأنك إذا وردتها سوف أشتريها منك.
وعد غير ملزم، هذا لا بأس به، ، إذا كانت على سبيل الوعد غير الملزم لا بأس به، ويعتبر هذا مخرجا لمن أراد أن يتعامل بعقود التوريد، ولكن الصورة الشائعة الآن عند الناس، أنه يتفق مع المورد على أن يورد له سلعة بمواصفات معينة، ويعطيه بعض الثمن، وأحيانا لا يعطيه شيء، فتصبح المسألة من قبيل بيع الكالئ بالكالئ، بيع الدين بالدين، وهي محرمة، طيب ما هو المخرج؟ نقول: إذا كان السلعة مما يستصنع فهذا لا إشكال فيه، إذا كانت مما لا تستصنع فيجعلها عقد سلم، يسلم لك كامل الثمن، وتقول مثلا قليل السلم، ولكن أكثر الناس لا يرغب في تسليم رأس المال مقدما، طيب إذا كان لا يرغب في تسليم رأس المال مقدما ليس له إلا مخرج واحد وهو أن يعد هذا المورد وعدا غير ملزم، يقول: إذا وردت لي بهذه السلعة بهذه المواصفات سوف أشتريها منك. فإذا وردها يعقد معه عقدا جديدا، أو يقوم بالسلم، يعني ليس هناك حل إلا بإحدى هاتين الطريقتين، من طريق السلم يشترط لهذا أن يسلم له رأس المال كاملا، أو أنه يكون عن طريق المواعدة غير الملزمة، أما أنه يعقد معه عقدا، أو يكون على سبيل المواعدة الملزمة فإن هذا لا يجوز، وهذا كما ذكرت يقع فيه كثير من أصحاب المحلات، تجد أن كثيرا من أصحاب المحلات يتفقون مع موردين، ويعقدون معهم عقودا ولا يسلمون لهم الثمن، فتكون مثلا من قبيل بيع الدين بالدين، وربما بعضهم يقع عن جهل، وبعضهم عن تساهل، فينبغي التنبيه على هذه المسألة، هذا هو حاصل الكلام في عقود التوريد.
ونلاحظ من الأسئلة في الدروس السابقة أن بعض الإخوة يرغب في تلخيص الدرس في آخر كل درس، نستطيع أن نلخص الكلام في عقود التوريد فنقول: عقود التوريد، إذا كان محل عقد التوريد مما يتطلب صناعة، يعني سوف يستصنع، يقوم المورد باستصناعه، فإن هذا يعتبر عقد استصناع، ولا يشترط فيه تسليم الثمن، وهو عقد جائز على القول الراجح من قولي الفقهاء.
إذا كان محل عقد التوريد لا يتطلب صناعة وإنما سوف يقوم المورد بشرائه مثلا، فهذا إن قام المستورد بتسليم رأس المال - يعني الثمن - كاملا مقدما، فهذا يعتبر سلما، لكن بهذا الشرط وهو أن يسلم له رأس المال كاملا، يسلم له الثمن كاملا، فيعتبر هذا سلما، وهو جائز بالإجماع لكن بهذا الشرط، لاحظ أنه أؤكد على هذا الشرط؛ لأن هذا الشرط يفر منه الكثير من الناس من المستوردين، لا يرغب في تسليم رأس المال مقدما، لا يرغب في تقديم الثمن مقدما، أما إذا كانت السلعة مما لا يستصنع، ولم يتم تسليم رأس المال في بداية العقد، فإن هذا لا يجوز، يكون هذا محرما؛ لأنه من قبيل بيع الدين بالدين وهو محرم، من المخارج الشرعية في هذا أن يكون هذا العقد على سبيل الوعد غير الملزم، فيقول المستورد للمورد: أرغب أن تورد لي هذه السلعة بهذه المواصفات، وأعدك وعدا غير ملزم أعدك بأنني سوف أشتريها منك، فهذا يعتبر مخرجا، هذا يعتبر مخرجا شرعيا.
فإذا المخارج الشرعية إما أن يكون عن طريق السلم، أو عن طريق المواعدة غير الملزمة، أما أن يعقد معه عقدا ليس بعقد سلم، فإن هذا محرم ولا يجوز، وهذه الصورة الشائعة، وهي كما ذكرت صورة ممنوعة شرعا؛ لأنها من قبيل بيع الدين بالدين.
ننتقل بعد ذلك إلى عقدين مهمين وهما: عقد المزايدة وعقود المناقصات، الكلام فيهما متقارن، وأيضا تم بحث هذين العقدين في المجمع الفقهي، عقد المناقصات ألحق بعقود التوريد، وعقد المزايدة كان فيه قرار مستقل سابق لهذا القرار.
عقد المزايدة: هو من عقود الشارع في الوقت الحاضر، وهو وأيضا من العقود التي بحثت في كتب الفقه، عقد يعني معروف من قديم الزمان، ومعناه: عقد معاوضة يعتمد دعوة الراغبين في المشاركة في المزاد، ويتم عند رضا البائع، فيقال مثلا: إنه سوف تباع السلعة الفلانية أو هذه السلع وتعرض للمزايدة، هذا يزيد وهذا يزيد وهذا يزيد حتى إذا قبل البائع بالثمن أبرم العقد.
والمناقصة: هي طلب الوصول إلى أرخص عطاء لشراء سلعة أو خدمة، تقوم فيها الجهة الطالبة لها تقوم بدعوة الراغبين لتقديم عطاءاتهم وفق شروط ومواصفات محددة، فإذن في عقد المزايدة تجد أن البائع يرغب في أعلى سعر يطرحه من يريد الشراء، بينما في المناقصة نجد أن المشتري أو أن من يطرح هذه المناقصة يرغب في أقل سعر، إذا كانت مثلا في شراء سلع يرغب في أقل سعر يشترى به، إذا كان في خدمة يرغب في أقل سعر للقيام بهذه الخدمة، والمناقصة والمزايدة جائزان شرعا، لكن فقط من الأمور التي نشير إليها هنا والتي ذكرت في قرار المجمع، يعني لا إشكال في جواز المزايدة، وكذلك جواز المناقصة، لا إشكال في جوازهما، لكن هناك بعض المسائل التي لأجلها أوردنا هذين العقدين وتحتاج إلى التنبيه عليهما، وقد وردت هذه الأمور في إقرار المجمع.
طلب رسم الدخول: أحيانا يطلب رسم لمن يريد الدخول في المزايدة أو المناقصة، وهذا الرسم يعتبرونه قيمة دفتر الشروط، فيقول: من أراد الدخول في هذه المزايدة والمناقصة لابد أن يشتري هذا الدفتر، فما حكم شراء هذا الدفتر؟ جاء في إقرار المجمع: لا مانع شرعا من استيفاء رسم الدخول قيمة دفتر الشروط بما لا يزيد عن القيمة الفعلية لكونه ثمنا له.
وقد حصل خلاف - يعني - في حكم استيفاء هذا الرسم ولكن هذا هو القول الأظهر الذي صدر به القرار، أنه يجوز إذا كان في حدود القيمة الفعلية لهذا الدفتر، لأن في المناقصات والمزايدات أحيانا المزايدات، أما المناقصات غالبا لا بد أن يكون فيه دفتر شروط يذكر فيه الموصفات والشروط المطلوبة، ويباع على من يريد الدخول في المناقصة، نقول: إذا كان بقيمتها الفعلية الحقيقية لا بأس بذلك.
وأما طلب الضمان لمن يريد الدخول في المناقصة أو المزايدة فهو جائز شرعا، ولكن يجب أن يرد لكل مشارك لم يرس عليه العطاء، ويحتسب من الثمن لمن فاز بالصفقة، أحيانا بعض الدوائر الحكومية تضع مناقصة؛ إما في شراء سلع أو في خدمة مثلا، ويقولون يشترطون على من أراد الدخول في المناقصة أن يدفع خمسة آلاف ريال أو عشرة الآف ريال أحيانا، فيأتي مجموعة ممن يريد الدخول في هذه المناقصة، ثم ترسو هذه المناقصة على أحدهم، نقول: هذا لا بأس به، لكن بعد ذلك يحتسب هذا الرسم يماثل عشرة آلاف أو خمسة الآف ريال يحتسب من الثمن على من رست عليه هذه الخدمة أو هذا البيع، ومن لم يرس عليه العطاء يجب أن يرد عليه هذا المبلغ، وإلا كان أخذ مال بغير حق، يكون من قبيل أكل المال بالباطل، وهذه نقطة مهمة يا إخوان؛ لأن كثيرا من المؤسسات والدوائر الحكومية التي تفعل هذه وهي المناقصات، لا يحصل رد المبلغ، وحكم الشرع أنه لا بد من رد المبلغ على من لم يرس عليه العطاء، وإلا كان هذا أخذا للمال بغير حق، فما الذي يبيح مثلا لهذه الجهة أن تأخذ هذه الأموال ممن أراد الدخول في المناقصة؟ ربما يكون الراغبون في الدخول في المناقصة ربما يكون عددا كثيرا...، ومثلا ربما يكون مائة شخص كل واحد منهم بذل خمسة آلاف ريال، فالمبلغ سيكون كبيرا، وربما عشرة آلاف ريال، فما الذي يبيح لهذه الجهة أخذ هذا المبلغ؟ ولهذا نقول: لا بد من أن ترد هذه المبالغ على من لم يرس عليه العطاء، وحتى من فاز بالصفقة يحتسب من الثمن، هذا ما يتعلق بعقود المناقصة والمزايدة، هي كما ذكرت لا إشكال فيها، لكن ترد الإشكالية فقط من جهة أخذ هذه المبالغ ممن يريد أن يتقدم لهذه العقود، ولا ترد عليهم هذه المبالغ فيكون هذا من قبيل أكل المال بالباطل، وهذا لا يجوز، فهذه هي الإشكالية التي ترد في عقود المناقصات وفي عقود المزايدات، ونكتفي بهذا القدر والله - تعالى -أعلم.
 س: أحسن الله إليكم, هذا السائل يقول: إذا كان المورد وكيلا لصاحب السلعة فهل يجوز البيع بدون دفع الثمن كاملا؟
ج: إذا كان المورد وكيلا فماذا يراد بهذه الوكالة؟ نقول: ماذا يراد بهذه الوكالة؟ إن كان يراد بها أن هذا المستورد قد وكل هذا المورد في توريد هذه البضاعة فهذا هو الذي نقصده بهذا البحث، ولذلك لا يجوز أن يعقد معه عقدا إلا إما أن يكون عقد سلم, أو أنه يعده وعدا غير ملزم بأنه إذا استورد البضاعة اشتراها منه, إلا إذا كانت البضاعة مما يستصنع، فيكون عقد استصناع, فإذا كان المراد بالوكيل يعني شخص أجنبي مورد فإنه تنطبق عليه الأحكام التي ذكرناها, أما إذا كان هذا الوكيل شخصا مثلا شريكا معه في السلعة, فإن هذا يعتبر في الحقيقة هو الذي قام بالتوريد, يعني لا يرد في هذا أي إشكال, المهم أن يورده بنفسه أو بشريكه، ولكن ظاهر محل من السؤال أنه يقصد بالوكيل شخص أجنبي, يطلب المستورد من المورد، يعني من شخص أجنبي سماه وكيلا بأن يورد له سلعة, وهذا تنطبق عليه الأحكام التي ذكرناها. نعم.

س: أحسن الله إليكم, يقول: ذكرتم أن من شروط السلم شروط البيع السبعة, ومن شروط البيع أن يكون المبيع مملوكا للبائع فكيف ينطبق ذلك على السلم؟ج: نعم, هو من شروط البيع أن يكون المبيع مملوكـا للبائع، وفي السلم لا بد أن يكون المبيع موصوفا في الذمة، فلا نريد بانطباق شروط البيع انطباقها بعينها, ولكن نريد انطباقها في الجملة, وإلا فإن السلم عقد على موصوف في الذمة، ولو قلنا: إنه لا بد أن يكون المسلم فيه مملوكا حال العقد لما كان هناك سلم أصلا، فإذا المقصود بالإشارة إلى شروط البيع يعني انطباقها عليه في الجملة، فمثلا من شروط صحة البيع أن يكون العاقد جائز التصرف, حرّا, مكلفا, رشيدا, هذا الشرط لا بد منه في السلم، والتراضي بين المتعاقدين لا بد منه في السلم، لكن هذا الشرط - وهو أن يكون المبيع مملوكا للبائع - هذا ربما نتجاوز عنه في السلم, وذلك بأن نشترط أن يكون موصوفا في الذمة، بأن يكون المسلم فيه موصوفا في الذمة, فيكون إذا المقصود إذا أردنا عبارة دقيقة: أن تنطبق عليه شروط البيع في الجملة. نعم.س: أحسن الله إليكم, يقول: إذا اشترطت الشركة التي تدعو إلى الدخول في المناقصات عدم رد الضمان؟ج: نعم، إذا اشتراطت عدم رد الضمان يكون شرطا باطلا, قول النبي صلى الله عليه وسلم: « من شرط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط »8 فيكون من وسائل أكل المال بالباطل؛ لأنه ما الذي يبيح لهذه الجهة أن تأخذ الأموال من الناس وهم لم يرس عليهم العطا؟ فأخذ المال يكون له سبب إما بشراء، إما بهبة، فما الذي يبيح لهذه الجهة أن تأخذ هذه الضمانات وهذه المبالغ من الناس من غير سبب، ومعلوم أن الشروط إذا كانت شروطا مخالفة للشرع فإنها تكون شروطا باطلة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: « من شرط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط »8 .س: أحسن الله إليكم, يقول: ما معنى قول مجمع الفقه الإسلامي في تعريف بطاقات الائتمان غير المغطاة: بشخص طبيعي أو اعتباري؟ج: نعم, الشخص الطبيعي: هو الفرد من الناس، إذا قيل: الشخص اعتباري المقصود به أنه قد لا يكون فردا من الناس وإنما قد يكون مثلا جهة أو قد يكون مجموعة، فهذا هو المقصود, الشخصية الطبيعية والشخصية الاعتبارية,

وهذا عندما يطلق خاصة في كلام المعاصرين يقال: هذا شخص طبيعي وهذا شخص اعتباري ومن هذا القبيل، نعم.س: أحسن الله إليكم, يقول: أرغب في بناء منزل وليس لدي مال يكفي لذلك, وأرغب في شراء أسهم من شركة "الراجحي" حتى أحصل على المبلغ الكافي, على أن يكون البنك من يشتري الأسهم وهو البائع، أرغب في توضيح هذه المسألة والحكم الشرعي فيها.ج: نعم، الذي فهمته من السؤال أن هذا الشخص يريد أن يبني بيتا وليس عنده سيولة, فيريد أن يشتري أسهما بالتقسيط ثم يبيعها على غير البائع؛ كي يحصل على السيولة النقدية، وهذه المسألة تكلمنا عنها فيما سبق وقلنا: إنها تسمى بيع مرابحة للآمر بالشراء، وهذه قلنا: تجوز بشرطين: الشرط الأول يكون اتفاقا مبدئيا, يعني ليس عقدا وإنما اتفاقا.الشرط الثاني: يعني إبداء رغبة في الشيء. الشرط الثاني: أن يملك البائع السلعة ويقبضها ثم يبيعها، فإذا كان هذا يريد أن يشتري أسهما عن طريق الراجحي أو غيره, والبائع يملك هذه الأسهم ويشتريها بالتقسيط ثم يبيعها على طرف آخر غير البائع هذا لا بأس به، ولكن لا بد من التأكد من أن تكون هذه الأسهم أسهم شركات نقية, وهي ولله الحمد - أسهم الشركات النقية - في تزايد, وقد أقبل الناس عليها الآن، وقام سوقها وربما يكون هذا حافزا لبقية الشركات؛ لكي تصبح شركات نقية, وارتفعت أسهم هذه الشركات بسبب إقبال الناس عليها, فمادام يوجد في السوق شركات نقية, فنقول للأخ السائل ننصحه بأن يكون شراءه لأسهم هذه الشركات, ثم بيعه على طرف ثالث؛ لأن بيعه على البائع الأول تصبح مثلا بيع عينة، لكن إذا باعها على طرف ثالث أصبحت من قبيل التورق,

وهو لا بأس به. نعم.س: أحسن الله إليكم, يقول: ما حكم فتح الاعتمادات من قبل البنك للشركات التي من خارج البلد؟ج: الاعتمادات المستندية هذه نحتاج إلى أن نشرح المقصود بها, ونبين كلام العلماء فيها وأحكامها الشرعية, وهذا يحتاج إلى وقت, وسوف - إن شاء الله تعالى - نجعله في درس قادم - إن شاء الله - نبين المقصود بالاعتمادات وحقيقتها وتكييفها الفقهي وحكمها الشرعي, فنرجئ الإجابة عن هذا السؤال حتى نشرح هذا المصطلح.س: أحسن الله إليكم, يقول: قلتم: إن الشرط الجزائي في الدين لا يجوز, فإن قال المدين: إني لن أتأخر عن السداد, أو سأجعل شخصا آخر يضمن السداد إن أنا تأخرت, فهل يجوز له على هذا أن يعقد عقدا مع شركة تشترط ذلك الشرط الجزائي؟ج: نعم، الشرط الجزائي في الدين محرم كما قلنا, هو ربا جاهلية, يقال: احتسب عليك غرامة عن كل يوم تأخير, فإن هذا هو ربا الجاهلية؛ لأن ربا الجاهلية إذا حل الدين أتى الدائن المدين وقال: إما أن تقضي وإما أن تربي. وهكذا إذا كان الشرط الجزائي بصورة أخرى, إذا كان الشرط الجزائي بأي صورة من الصور, سواء كان بطريق بصورة المباشر أو غير المباشرة، أما إذا كان على ما ذكر السؤال من الضمان ضمان السداد, يعني إذا حل الدين, يقول: إذا حل الدين أريد منك أن تسدد أو أن تأتي بمن يضمن السداد من شركة أخرى أو من شخص، هذا هو الكفيل أو ما يسمى بالضامن, وهو أمر جائز شرعا لا بأس به، فيقول: هذا ما عليك بالدين إلا بشرط أن تأتيني بضامن, أو بشركة ضامنة, أو بكفيل ضامن, هذا لا بأس به، وضمان العقود التوثقة جائز شرعا، وضمان الكفالة والرهن هذه من عقود التوثقة, فكونه يطلب منه ضامنا، لكن بدون مقابل؛ لأن الضمان لا يزاد في المقابل عليه, فإن هذا لا حرج فيه شرعا.كلامنا في أن يتفق معه على أن يدفع غرامة عن كل يوم تأخير مقابل الدين, هذا هو المحرم في غير الدين يجوز؛ كما أن يكون في عقد مقاولة, في تفصيل ثوب, في توريد سلعة, في استخدام مثلا, هذا كله يجوز أخذ الشرط الجزائي فيه, يجوز فرض الشرط الجزائي, يقول: أحسب عليك غرامة تأخير عن كل يوم تأخير مثلا, أحسب عليك غرامة قدرها كذا عن كل يوم تأخير, لكن في الديون لا يجوز مثل هذا, الضمان الذي ذكره السائل جائز, لكن بشرط ألا يترتب على هذا الضمان أي مبلغ مالي؛ لأن الضمان من عقود الإرفاق فلا يجوز أخذ مقابل عليه. نعم.س: أحسن الله إليكم يقول: ما حكم بيع جنين الناقة وهو في بطن أمه؟ما حكم إيشجنين الناقة.ج: نعم, هذا ورد النهي عنه, ورد النهي عنه والنهي عن بيع حبل الحبلة, وهو من بيوع الغرر التي قد جاءت الشريعة بمنعها, فبيع ما في بطن البهيمة عموما الناقة وغير الناقة هذا من بيوع الغرر المنهي عنها شرعا؛ لأنه لا يدري هل يخرج هذا الذي في بطن البهيمة حيًّا أو ميتا فهو معتبر من بيوع الغرر. نعم.س: أحسن الله إليكم, يقول: بالنسبة لبطاقات "سوا" والمتاجرة بها, فما شرعية تعاملها مع الناس حيث لها وقت محدد وتنتهي، ويقول: والمساهمة فيها حيث يدفع المساهم ثمانمائة وخمسين ريالا ويكون له ربح أسبوعي تقريبا ألف وخمس مائة ريال تزيد أو تنقص؟ج: نعم، هذا السؤال تضمن مسألتين: المسألة الأولى حكم هذا النوع من البطاقات، المسألة الثانية: حكم المساهمة فيها.أما المسألة الأولى: وهي حكم هذا النوع من البطاقات التي لها مدة محددة إن استخدمها فيها وإلا ضاع حقك, نقول: هذا لا بأس به ولا يعتبر هذا غررا، وقول من قال من بعض العلماء: إن هذا غررا فلا يسلم وإن كان فيه غرر نقول: غرر مغتفر؛ لأنه ليس كل غرر يكون ممنوعا، ولهذا فالسلم فيه غرر لكنه مغتفر, والاستصناع فيه غرر لكنه مغتفر، الجعالة فيها غرر لكنه مغتفر, فالقول بأن في الجعالة غرر يعني هنا محل نظر, وجه من قال بالمنع في مثل هذه المسألة يقول: لأن المستخدم لهذه البطاقة قد يستخدمها وقد لا يستخدمها, فيضيع عليه حقه، نقول وهذا أيضا منطبق على مسائل كثيرة، يعنى مثلا في عقد الإجارة عندما تستأجر بيتا ولا تسكنه, فالمؤجر يستحق الأجرة سواء سكنت أولم تسكن, سواء سكنت هذا البيت أولم تسكن, عندما تستأجر سيارة ولا تنتفع بها فالمؤجر يستحق الأجرة سواء انتفعت بها أو لم تنتفع, فعقد الإيجار هو من هذا النوع أو من هذا القبيل, فمثل ذلك أيضا هذه البطاقات قد حجز لك أنت هذا الرقم, ويلحق الشركة ضرر لو أنهم ردوا لك بقية المبلغ، ربما لحق الشركة ضرر؛ لأنهم حجزوا لك هذا المبلغ وصرفوا لك هذا المبلغ خلال هذه المدة, ربما أنك لو لم تحجز هذا الرقم لباعوه على شخص آخر وانتفعوا، وهذا أيضا ينطبق حتى على الهاتف الثابت مثلا والهاتف الجوال يكون لك رسم تأخذه الشركة, وهذا لا بأس به، وحينئذ نقول: لا بأس بالتعامل بهذه البطاقات حتى ولو كانت محددة المدة لا حرج في ذلك ولا إشكال، وما قد يوجد فيه من الجهالة والغرض فإنه مغتفر, فهو يشبه الغرض الذي قد يكون في عقد الإجارة.وأما بالنسبة للمسألة الثانية وهي المساهمة في بطاقة "سوا" فقد صدر في هذا بيان من بعض الجهات الرسمية يحذرون فيه من مثل هذه المساهمات, وبينوا أن فيها شيء من النصب والاحتيال, ثم أيضا أمورها غير واضحة, يخشى أن تكون من قبيل غسيل الأموال, وقد كان لهذه المساهمة ضحايا, نشر في الصحف شيء من هذا.وهنا مسألة أنبه عليها وهي أن بعض الناس لا يعرف فيما تشغل أمواله, يأتي إليه شخص يقول: أعطني ألف ريال أو مثلا أعطني ثمانية آلاف ريال وأنا أعطيك كل أسبوع أرباحا قدرها كذا، لكن فيما يكون الاستثمار؟ ما يدري ما لك شغل. أو يقول كما يقول: إن هذا سر المهنة. هذا ليس بصحيح لا بد أن تعرف فيما يستثمر هذا المال؛ لأنك مسئول عن مالك أمام الله عز وجل من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وربما أن بعض الأمور المحرمة يتعامل بها يعني بهذا الغطاء, يقال: أعطنا أموالك ونحن نشغلها لك, لكن فيما يشغلونها ما تدري، وهذا يعني أمر غير مقبول، لا بد أن تعرف فيما تشغل أموالك، ومن هذا القبيل هذا النوع من البطاقات الذي كثر الكلام فيه, وصدر فيه تحذير من - يعني - بعض الجهات الرسمية في الصحف, وبينوا أن هذه المساهمات أنها يشوبها ما يشوبها من نصب واحتيال وأكل المال بالباطل, والأرباح التي فيها أيضا تثير الشبهة, أرباح كبيرة, تثير الشبهة حول هذا التعامل، ثم أيضا الربح يشبه أن يكون مضمونا,

يعني يقول: أعطني كذا من المال وأعطيك كل أسبوع ربحا قدره كذا، والربح المضمون محرم، لا يجوز أن يكون الربح مضمونا, ولا أن تكون الخسارة أيضا يعني مضمون عدم الخسارة، فلا يضمن عدم الخسارة ولا يضمن الربح، فالتجارة الصحيحة هي التجارة القائمة على المخاطرة، القائمة على التردد بين الربح والخسارة، أما أن يضمن عدم الخسارة أو يضمن لك الربح, فإن هذا لا يجوز، وهكذا لو كان لو ضمن لك الربح معينا محددا لا يجوز، لا بد أن يكون الربح بنسبة مشاعة؛ عشرين في المائة, ثلاثين في المائة, الربع, النصف, أما أن يحدد يقول: أعطيك مثلا ثلاثة آلاف ريال ربحا أو أربعة آلاف ريال, هذا لا يجوز. نعم.س: أحسن الله إليكم, يقول: رجل يجمع أموالا ثم يضارب بها في الأسهم, وبعد ذلك يأخذ عشرين في المائة من الربح والباقي يعطية المساهم فما حكم ذلك؟ج: هذا لا بأس به بشرط أن تكون في الشركات النقية, أما الشركات التي تتعامل بالربا فإنه لا يجوز المساهمة فيها، ويوجد لدينا الآن خمسة وسبعون شركة منها اثنتان وعشرون شركة نقية, والبقية تتعامل بالربا، وسوف تطرح شركة بعد أيام, وقد أعلنوا صراحة في الصحف أن عندهم قروض ربوية, وعجيب من بعض الإخوة من بعض المشايخ الذين أفتوا بجواز المساهمة فيها، وهم يعلنونها صراحة نشروا قوائم مالية في الصحف بأن عندهم قروض ربوية كبيرة تزيد على عشرين في المائة, فما الذي يبيح الدخول في مثل هذه الشركات التي تعلن صراحة وعلنا أن عندها قروض ربوية, هذا حقيقة من العجب، الربا أمر عظيم في دين الله عز وجل، شددت الشريعة في الربا حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن حتى شاهد الربا وكاتب الربا فكيف بمن يريد أن يصبح أحد ملاك هذه الشركة بالمساهمة، المساهم يعتير أحد ملاك الشركة شاء أم أبى, وتنسب إليه جميع أعمال الشركة, فجرأة بعض الناس في الدخول في مثل هذه الشركات التي تتعامل بالربا فيه إشكال كبير حقيقة, يصدق على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: « يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء من أين أخذ المال, من حلال أم من حرام »9 هذا في البخاري، وفي الحديث الآخر وإن كان في إسناده ضعف « أنه يأتي على الناس زمان لا يبقى أحد إلا وقع في الربا فإن لم يصبه شيء أصابه شيء من غباره »10 فالربا أمر عظيم وينبغي أن تقاطع الشركات التي تتعامل بالربا, ينبغي أن يقوم المجتمع بمقاطعتها حتى ترتدع وحتى يرتدع القائمون عليها؛ لأن مثل هذه الفتاوى في الحقيقة التي تجيز الدخول في الشركات المساهمة التي تتعامل بالربا, هذا يجعل الأمر يستمر على ما هو عليه, إذا وجدوا من يفتي لهم فسوف يستمرون مع أنه -ولله الحمد- يوجد بدائل شرعية, يوجد المرابحة يوجد أشياء يمكن أن يحصلوا بها ما يحصلونه عن طريق القروض الربوية، ولكن قلة الورع وقلة الخوف من الله عز وجل, وعدم وجود الرادع الذي يردع القائمين على مجالس الشركات هو الذي يجعلهم يستمرون في مثل هذه التعاملات الربوية،

وقول من قال من بعض المشايخ أن الإنسان مخير من أن يأخذ بهذا القول أو بهذا القول, هذا في نظري أنه قول غير صحيح، وإنما يقال: يؤخذ بما تقتضيه النصوص والأدلة الشرعية، والعامي الذي لا يستطيع التمييز يأخذ بالأوثق في علمه ودينه وأمانته، أما أن يقال: إن العلماء اختلفوا خذ بهذا أو بهذا، هذا ليس بصحيح, خاصة إذا عرفنا أن الشريعة قد شددت في شأن الربا تشديدا عظيما, وترتب عليه اللعن ومحق البركة، وسدت جميع الذرائع الموصلة لها، جميع الذرائع الموصلة للربا منعت منها الشريعة, فمثلا في بيع العينة، قد يقع بيع العينة من غير مواطئة ولا اتفاق ومع ذلك ممنوع شرعا سدا للذريعة، فينبغي إذا أن ننطلق من هذا المنطلق, إذا رأينا الشريعة شددت في أمر نشدد فيه، إذا رأينا الأمر فيه سعة في الشريعة نتسامح فيه، فالربا نجد أن النصوص قد شددت كثيرا في شأن الربا ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ﴾11 ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾12 « لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه »13 فالنصوص عظيمة في شأن الربا, فما الذي يجيز الدخول في مثل هذه الشركات، ولهذا نقول: ينبغي أن تشجع هذه الشركات النقية ويشكر القائمون عليها, وأن تعلن أيضا للناس؛ حتى إذا رأى أصحاب الشركات الأخرى أن الناس قد اتجهوا لهذا النوع من الشركات يكون هذا يعني يشكل ضغطا عليهم،

وفي ظني أنه إذا أشيع ونشرت أسماء هذه الشركات أن هذا سيكون مردوده إيجابيّا , وأتوقع أنه خلال السنوات القادمة ربما لا تكن كثيرة تتحول جميع الشركات إلى شركات نقية، لأن المجتمع الحقيقة هو الذي يفرض رأيه وكلمته على هذه الشركات، فإذا رأوا أن الناس هجروا الشركات غير النقية واتجهوا إلى الشركات النقية, فستتحول جميع الشركات إلى شركات نقية, فإذا المجتمع في الحقيقة مسئول بالدرجة الأولى عن هذه المسألة، فيقال للناس: لا تساهموا ولا تدخلوا إلا في الشركات النقية, وهي - ولله الحمد - الآن في تزايد، كان قبل سنوات لا يوجد ولا شركة, ثم وجدت هذه الشركات ثم زادت إلى الآن أصبحت اثنين وعشرين شركة تقريبا, وربما أيضا تكون هناك شركات في طريقها إلى التحول لأن تصبح شركات نقية.س: أحسن الله إليكم, سائل يقول: ما اسم هذه الشركة؟ج: على كل حال هم لما أعلنوا عن هذا صراحة في الصحف, هي شركة المراعي وإنما سميتها وليس من عادتي التسمية؛ لأنهم في الحقيقة أعلنوا هذا, أعلنوا عن القروض الربوية, اطلعت في بعض الصحف على نشرة الإصدار, ومن ضمنها قروض, والتي هي قروض ربوية؛ لأن الشركات والبنوك لا تقرض لوجه الله عز جل ليس عندهم قرض اسمه قرض حسن, كل القروض الموجودة عندهم قروض ربوية, اللهم إلا أن يوجد قرض من البنك الصناعي أو الزراعي لكنها قروض قليلة مقارنة ببقية القروض التي اقترضتها هذه الشركة، ولذلك نقول: ما دام أنه توجد عندهم هذه النسبة من القروض وهي تزيد على عشرين في المائة فنرى عدم جواز المساهمة فيها.س: أحسن الله إليكم, يقول: من أخذ جوائز من البنك وتخفيضات فيما سبق فماذا يعمل؟ج: إذا كان لا يعلم بالحكم وهذه قاعدة في الربا, إذا كان لا يعلم بالحكم وقبضه فإن الله تعالى يقول: ﴿ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾14 فإذا كان قد دخل عن جهل وقبض ذلك الشيء, فإنه لا شيء عليه, له ما سلف, له ما أخذ, وأمره إلى الله تعالى, إذا تاب إلى تعالى من هذا, فإن الله تعالى يتوب عليه، أما إذا كان الربا لم يقبض فإن القاعدة في هذا ﴿ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾12 يأخذ رأس المال ويترك الربا, هذه قاعدة مفيدة في مسائل الربا, ذكرها الله عز وجل، نقول: من وقع في الربا عن جهل وقبض الربا فله ما سلف, لا نقول له: حط ما أخذت, وتصدق بما قبضته، لا نقول له هذا, له ما سلف وأمره إلى الله ﴿ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾14 ولهذا لم يطالب النبي صلى الله عليه وسلم من وقع في الربا قبل علمه بالحكم, لم يطالبهم بأن يضعوا الربا, وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضع الربا عمن؟ عن الربا القائم الموجود, وقال: « كل ربا في الجاهلية موضوع, وأول ربا أضعه ربا عمي العباس »15 ويدل على ذلك أيضا الآية الكريمة: ﴿ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ ﴾12 فإذا كان لم تقبض هذا المال فنقول: لك رأس المال فقط, لك رأس المال ولا تأخذ الربا، أما إذا قبضه, هذا لا شيء عليه، له ما سلف وأمره إلى الله، أما بالنسبة للهدايا نحن قلنا: إنها محرمة ولا تجوز, والحكمة من منعها هو سد ذريعة الربا,

وقد لا يكون فيها ر با لكن من باب سد الذريعة, وهذا يصلح أن يكون مثالا لما ذكرناه من أن الشريعة قد سدت جميع الذرائع الموصلة للربا, فمن هذا القبيل منع المقترض من أن يهدي للمقرض أية هدية قبل الوفاء مطلقا, وهذا من باب سد الذريعة للربا, لكن إذا كان الأخ السائل وقع فيه عن جهل فلا شيء عليه.س: أحسن الله إليك, يقول: طلب مني أحد الإخوة قرضا مبلغا من المال على أن أشتري له به أشياء, وقال لي: سأرد لك مبلغك الذي اقترضته منك وأعطيك معه أتعابك, فهل يجوز لي أن آخذ هذه الأتعاب وهي مقابل خدمتي له وليس زيادة في المبلغ المقترض؟ج: القرض يجب أن يرد فيه المثل ولا يجوز أن ترد معه زيادة مشترطة، فإذا كان قد اقترض منه مبلغا فلا يجوز أن يقول: سأرد لك المبلغ ومقابل أتعابك؛ لأن هذه زيادة محرمة، ولكن بعض الناس يسمي التورق قرضا, وربما يسمي المرابحة والأمر بالشراء قرضا, فبعض الناس يتوسعون في إطلاق لفظ القرض, والقرض: دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله, وهو كما ذكرنا في الدروس السابقة في الأصل صورة القرض صورة ربوية؛ لأنها دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله, وهذا المال مال ربوي, ولكن الشريعة أجازت القرض من باب تشجيع الناس على التعاون والتكافل والإحسان والإرفاق، فإذا أصبح يراد به المعاوضة فإنه يكون محرما, وحينئذ نقول لمثل هذا الذي قال: أقرضني وأرد لك القرض وأعطيك مقابل أتعابك, إن هذا لا يجوز, إن هذا محرم؛ لأن القرض لا بد أن يتمحض فيه الإحسان, فهذا الشخص الذي قد أقرضك أجره على الله عز وجل, على الله سبحانه، ولذلك لا يجوز أن يأخذ هذه الزيادة, نعم لو كانت الزيادة غير مشترطة وغير متعارف عليها لا بأس، كما استسلف النبي صلى الله عليه وسلم رجل بكرا فأتى يتقاضاه قالوا: يا رسول الله, قال: أعطوه مثل سنه. قالوا: لم نجد مثل سنه, قال: أعطوه سنا خيرا من سنه, فإن خير الناس أحسنهم قضاء. فإذا كان ذلك غير مشترط فإنه لا بأس به، يعني مثلا أقرضك شخص عشرة الآف ريال, ثم لما أردت أن تقضيه حقه أعطيته عشرة الآف ريال وأعطيته هدية, أو أعطيته أحد عشر ألفا من غير شرط فهذا لا بأس به لكن من غير شرط، ولاحظ هنا أن المعروف عرفا كالمشروط شرطا, فإن كان هناك متعارف على هذه الزيادة كما في بعض البنوك وبعض المؤسسات, فإن المعروف عرفا كالمشروط شرطا ولا يجوز. الخلاصة: أننا نقول للأخ السائل أن هذه الزيادة التي اشترطها المقرض على المقترض أنها محرمة.أحسن الله إليكم وأثابكم، ونفعنا بعلمكم, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


المراجع

taimiah.org

التصانيف

عقيدة إسلامية  عقيدة  معاملات إسلامية   الدّيانات