أحدثت ثورة المعلومات انقلابا هائلا في علاقات الناس بالعالم وفي مفاهيم المكان والزمان التقليدية، وباتت السيطرة على المكان والزمان أيسر من ذي قبل مع النجاح الكبير في اختصار المسافات والوقت والتدفق الحر في المعلومات، وهي تحولات تحرك التفكير في تداعيات لا تتوقف وتجعل الحديث غير مكرر وإن كان يبدو كذلك، وربما تكون الكتب والدراسات التي تصدر حول الموضوع دليلا على ذلك، وهي دراسات على قدر من الغزارة ترشح هذه القضية أن تكون بحق الشغل الشاغل للبشرية لأنها تغير حياتهم تماما، ويضيف الكتاب الذي أصدره مؤخرا مركز دراسات الوحدة العربية بعنوان "العرب وثورة المعلومات" قضايا وأفكار جديرة بالاعتبار لدى المخططين في السياسية والاقتصاد والتعليم والإعلام.
لقد أصبح العالم شبكة معقدة من التفاعلات تتخطى الحدود القومية، ربما يكون الأكثر فاعلية في هذه الشبكة اليوم ليس الدول وإنما أفراد ومجموعات، ومنظمات سياسية وحركات ثورية، ومصارف وشركات متعددة الجنسيات، واتحادات عمالية، وعلماء وقادة حملات سياسية، ومنظمات دولية من كل نوع.
القدرات المتاحة اليوم عبر شبكة الاتصال والمعلوماتية على البث الإذاعي والتلفزيوني أو إرسال الرسائل عبر البريد الإلكتروني والفاكس والهواتف النقالة، وغيرها حطمت الحدود التي كانت حواجز ودفاعات حصينة ومكثفة وجعلتها مجرد خطوط في الأفق.
فلم تعد التحولات في الوعي والمفاهيم والأهداف السياسية: سياسات الدفاع القومي، وسياسات الرفاهية القومية، وسياسات البيئة القومية، وسياسات حقوق الإنسان القومية، بمعزل عن العمل الدولي، ولم يعد التعاون المتفرق بين وحدات قومية منفصلة ردا كافيا على الاعتماد المتبادل، والهياكل السياسية الأوسع كلها مطلوبة لمواجهة الحاجات الجديدة، وقد أصبح العمل السياسي بأسلوب مختلف ضروريا.
إن الثورة الصناعية طوعت قوى الطبيعة لمضاعفة قدرة الإنسان الجسدية آلاف المرات من خلال الآلة، أما ثورة الإلكترونيات الدقيقة فقد هدفت إلى تطويع الآلة للقيام بمهام ذهنية، كانت إلى فترة وجيزة حكرا على العقل البشري، فضاعفت قدرات هذا العقل آلاف بل ملايين المرات في السرعة والسعة والدقة والذاكرة، وقد أدت بذلك إلى تحولات وتداعيات كبرى يصعب حصرها، وسيبقى هذا الموضوع عنوانا واحدا لكن مضمونه يختلف كل يوم بسبب تواليها وكثافتها وتعقيدها أيضا، ومن ذلك انتشار نواتج وسلع صناعية جديدة، وإبداع طرائق إنتاج لم تكن معروفة من قبل، مما أدى إلى زوال منتجات وسلع وطرائق إنتاج كانت سائدة إلى فترة وجيزة، وتغيير كبير ومتسارع في أسعار المنتوجات الصناعية ونوعيتها، ما أدى إلى صراعات منافسة كبيرة في السوق العالمية، وأفقد صناعات الدول النامية الكثير من امتيازاتها وقدرتها عل المنافسة، وتغييرات جذرية في طرائق التصنيع من خلال التوسع في الأتمتة والاعتماد على الحاسبات والعمال الآليين، وتزايد ملحوظ في دور المعلومات والاتصالات والحاسبات عموما في العمليات الاقتصادية والتجارية.
وقد أثرت هذه التحولات على الصناعات على نحو جذري، تغييرات واسعة ومتسارعة في هيكلية العمالة وفرص العمل، وتغييرات كبيرة في الأهمية النسبية المقارنة بين مختلف قطاعات الإنتاج خصوصا في الصناعة والخدمات، وتغيير ملحوظ في تأثير مختلف قطاعات الإنتاج في الدخل القومي، وتزايد مذهل في أهمية قطاع الخدمات وقطاع المعلومات بشكل خاص، تغيير جذري في طبيعة الأعمال المكتبية والخدمات، وازدياد متسارع في اهتمام الحكومات بتقنيات الإلكترونيات الدقيقة وتدخلها المباشر في توجيه الأنشطة المرتبطة بها وتشجيعها، وأحيانا الإشراف عليها والمشاركة في إدارتها، وازدياد اهتمام الدول المصنعة وبعض الدول النامية بنشر المعارف والخبرات عن الحاسبات وملحقاتها واستعمالاتها، والانجذاب الأكثر للأجيال الناشئة إلى الشاشات متفرجة أو متعاملة معها.
هذا التأثير السريع اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا عفويا أو بتخطيط واع عبر المسافات والحدود مع انتشار التلفزيون والفيديو ومختلف البرمجيات الموجهة لاستهلاك اليومي، سيؤدي إلى سهولة فائقة في انتشار الأفكار والقيم والتوجهات التي تحملها هذه البرامج.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد