بدأ التطرف "الإسلامي" في ستينيات القرن العشرين، ورافق موجة المد الإسلامي الذي بدأ بعد هزيمة 1967 والتي كانت انكسارا للروح العربية لم تفق منها الأمة بعد. وقد انتشرت بين مجموعة من شباب الإخوان المسلمين المعتقلين في السجون المصرية وبين الشباب المقبل على التدين في نهاية الستينيات رؤيتان تؤسسان لاتجاهين من الجماعات والأفكار، وهما الحاكمية، والمجتمعات الجاهلية.
قامت على أساس فكرة الحاكمية جماعة الجهاد بقيادة محمد عبد السلام فرج، وكان من قادتها وروادها عمر عبد الرحمن وأيمن الظواهري، وفكرتها ببساطة أن الحكومات والأنظمة السياسية قد كفرت بعدم تطبيقها للشريعة الإسلامية لقوله تعالى "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون".
ولكن هذه الرؤية التكفيرية امتدت إلى المجتمعات ووصفها بـ"الجاهلية" باعتبار أنها مجتمعات لا تحكمها الشريعة الإسلامية، لقوله تعالى "أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون" فهناك حكمان: حكم الله وحكم الجاهلية، والمجتمع الإسلامي هو الذي تحكمه الشريعة الإسلامية "حكم الله" والمجتمع الجاهلي هو الآخر، أي كل مجتمع لا تحكمه الشريعة الإسلامية، حتى لو كان أفراده وأعضاؤه مسلمين. وتطورت هذه الرؤية لدى جماعات مثل التكفير والهجرة إلى اعتبار الأمة قد ارتدت عن الإسلام، وأنه لا يوجد مسلمون إلا أعضاء جماعة "المسلمين" وهم أتباع جماعة التكفير والهجرة التي كان يقودها شكري مصطفى.
وأقبل على الجماعتين عدد كبير من المؤيدين والأتباع من الشباب في مصر، ثم امتدت هذه الأفكار على أنحاء مختلفة ومتفاوتة إلى الجماعات والأفراد في العالم الإسلامي وبين المسلمين في الغرب.
لقيت جماعة التكفير والهجرة رعاية وتشجيعا من الحكومة المصرية، وهذا أمر تؤكده وقائع وكتابات لبعض أعضاء الجماعة في ذلك الوقت، مثل عبد الرحمن أبو الخير في كتابه "ذكرياتي مع جماعة المسلمين"، وتؤيده أيضا وثيقة مكافحة الحركة الإسلامية "التي كشفتها الصحافة عام 1979" وهي دراسة أعدتها لجنة برئاسة حسن التهامي أحد كبار ضباط المخابرات المصرية في عهد عبد الناصر والسادات، وطورت الدراسة أيضا إلى دراسة أخرى أعدها للمخابرات المركزية الأميركية البروفسور ريتشارد ميتشيل مؤلف كتاب "الإخوان المسلمون" وهو رسالة دكتواره عن جماعة الإخوان المسلمين للمؤلف أجازتها جامعة ميتشغان في الولايات المتحدة الأميركية.
ربما لم تدرك الحكومة المصرية خطورة هذا الاستثمار في التطرف أو أنه مثل صندوق الشرور الذي لا يمكن السيطرة عليه بعد فتحه، وربما تكون استدرجت أيضا من المخابرات الأميركية التي كانت تظن أن الولايات المتحدة ستبقى بعيدة عن كل التفاعلات المحتملة والتداعيات التي ستنشأ عن تشجيع التطرف الإسلامي وإطلاقه، فقد كانت محكومة بهاجس مواجهة الثورة الإيرانية الإسلامية والتي يبدو أنها أربكت السياسات والإدارة الأميركية. وربما كانت الحكومة المصرية ترى في تعدد الجماعات والأفكار الإسلامية واختلافها وشقاقها فرصة للسيطرة عليها وضربها ببعضها، وتحقيق توازن بينها.
ووجد النظام السياسي في مصر نفسه في مواجهة قاسية ومعقدة مع شبكة إسلامية مسلحة ومعبأة وتملك وسائل واتصالات مع المجتمعات والدول والعصابات وتعبر الحدود وتخترق المؤسسات والمجتمعات، وتعرضت مصر منذ منتصف السبعينيات لموجة عارمة من العنف من أشهرها حادثة المدرسة الفنية العسكرية بقيادة صالح سرية(إسلامي فلسطيني) عام 1974، ثم في عمليات إرهاب وخطف تمارسها جماعة التكفير والهجرة، أهمها عملية اختطاف واغتيال وزير الأوقاف المصري الشيخ محمد الذهبي عام 1977، ثم اغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات عام 1981 على يد مجموعة عسكرية تنتمي إلى جماعة الجهاد، ثم موجة من العنف والتفجير والاغتيالات على مدى عقدي الثمانينيات والتسعينيات.
وساهمت أفغانستان التي تحولت إلى مقر آمن ومناسب للجماعات الإسلامية من جميع أنحاء العالم في عولمة العنف و"التطرف الإسلامي" وتلك قصة أخرى.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد