حتى لا نلهث خلف سراب
بلغت الفجوة بين استهلاك الأسرة الأردنية ونفقاتها في العام 2010، ما مقداره 390 دينارا، الأمر الذي يعكس عجزا كبيرا في قدرة الأسرة على توفير تكاليف احتياجاتها، تبعا لقيمة متوسط الدخل الذي بلغ 8841 دينارا سنويا قبل عامين، مقارنة باستهلاك يصل إلى 9239 دينارا.
تفسير الرقم يذهب في أكثر من اتجاه. فمن ناحية، ارتفعت تكاليف المعيشة، وترافق ذلك مع تراجع مطرد في مستوى الخدمات المقدمة من تعليم وصحة ساق إلى هذه النتيجة؛ إضافة إلى تغير النمط الاستهلاكي للأسر الأردنية كل بحسب مستوى دخلها.
وخلال الفترة 2010–2012، والتي لم تصدر أرقام بشأنها بعد، فيتوقع أن تتسع الفجوة بشكل أكبر، كما ستكشف الدراسات المستقبلية.
تقليص الفجوة له حلول تذهب في أكثر من اتجاه. الأول، تفعيل أدوات الرقابة على الأسواق لضبط ارتفاعات الأسعار غير المبررة، نتيجة مغالاة أصحاب الأعمال من تجار وصناعيين وغيرهم في تحقيق هامش ربح مرتفع، يتجاوز في عدد من القطاعات نسبة 100 %.
مشكلة الارتفاعات غير المبررة في الأسعار قديمة، وستبقى طالما البلد يفتقد إلى منظومة تشريعية. وما هو متوفر من قوانين يعجز عن تحقيق هذه الغاية لأكثر من سبب، أهمها أن العقوبات التي تفرضها القوانين المطبقة غير رادعة للتجار ومقدمي الخدمات. فيما يتمثل السبب الثاني في كون منظومة التشريعات ناقصة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أن قانون حماية المستهلك ما يزال سرابا، رغم مضي سنوات على الحديث عنه دون إقراره.
بتوفير منظومة التشريعات المطلوبة، ستتمكن الجهات الرقابية من ضبط الأسعار عند حدود عادلة لجميع الأطراف، بحيث لا يخسر مقدمو الخدمات والسلع، ولا يتعرض المستهلك في المقابل لغبن كبير.
الرقابة على الأسعار لا تقتصر فقط على السلع الاستهلاكية، بل تطال جميع الخدمات المقدمة، من قبيل الصحة والتعليم، والتي باتت تكاليفها المرتفعة تستنزف جزءا كبيرا من مداخيل الأسر.
أما الجزء الآخر من المسؤولية، فيلقى على كاهل المستهلك ذاته، خصوصا أن النمط الاستهلاكي للأسر تغير كثيرا، ولاسيما الفقيرة منها. إذ إن إنفاق أفقر عُشير من الأسر الأردنية ارتفع على المواد غير الغذائية، فيما تراجع إنفاق هذه الفئة على الغذاء.
تعديل النمط الاستهلاكي ضرورة، خصوصا أن السنوات الخمس المقبلة لن تكون سنوات مريحة اقتصاديا، والتعامل مع الواقع الاقتصادي الصعب يتطلب عقلانية أكبر في توجيه الاستهلاك، بما يساعد الأسر على تقليص الفجوة بين دخلها واستهلاكها، لاسيما أن الفجوة عادة ما يتم تغطيتها من بيع الأصول أو إنفاق للمدخرات.
كما يسهم الاقتراض بشكل كبير في التغطية على عجز ميزانية الأسر، بحيث لا يحدث أن تجد أسرة غير مقترضة من بنك أو جمعية أو شركات تمويل صغير، حتى صار حال ميزانيات الأسر الأردنية كحال موازنة حكومتهم؛ تعاني من عجز دائم.
وإذا كان عجز موازنة الحكومة ينعكس على الدين العام والاستقرار المالي والنقدي، فإن عجز ميزانيات الأسر ينعكس على مزاجها ومدى رضاها وشعورها بالسعادة. وهذه العناصر وإن كان البعض يهملها ويقلل من شأنها، إلا أن لها انعكاسا كبيرا على مزاج المجتمع، وبالتالي على انتمائه.
الفجوة ستبقى على اتساع طالما لم توضع حلول جذرية لها، وسيبقى المواطن يجهد ويجد ويتعب ويلهث، كمن يركض خلف سراب بدون فائدة ترجى.
الاستقرار المالي للأسر لا يقل أهمية عن الاستقرار المالي للموازنة العامة، وهو بحاجة إلى برنامج إصلاح وطني يحاكي ذلك الذي وقّعته الحكومة مع صندوق النقد الدولي، بهدف حماية الاستقرار المالي للأسر، وجعلها آمنة مطمئنة.
بقلم جمانة غنيمات.
المراجع
ammanxchange.com
التصانيف
جمانة غنيمات صحافة الآداب العلوم الاجتماعية