بعد الأحذية، ها نحن نشاهد مسدسات تحت قبة البرلمان!
ما حدث يوم أمس فضيحة بامتياز، يثبت التصور الأولي حول ماهية مجلس النواب، ويؤكد أن قانون الانتخاب "القاصر" أفرز نوابا لا يعبرون عن المجتمع. فالصورة التي قدمها نوابٌ أمس لا تليق بشعب مثقف ومتعلم.
أهذا هو مجلس النواب الذي يمثل الشعب، ويعبر عن آماله وطموحاته بالإصلاح والتغيير والانتقال إلى حالة سياسية جديدة، في مرحلة حساسة وتاريخية من عمر البلد والمنطقة؟!
المشهد محبط، ومنفر أيضا؛ فالخطاب والسلوك اللذان قُدما يوم أمس بدائيان، لا يليقان بالأردن والأردنيين، ويكشفان ضحالة الفكر والبرامج لدى أعضاء في المجلس.
الأداء النيابي لم يكن أكثر من مسرحية هزلية مكشوفة وواضحة، تقف خلفها أجندات خاصة؛ لكل أسبابها، ومواقفها للأسف لا تمت لمصالح المجتمع بصلة، بل هي مواقف شخصية تحوّلت إلى "لوبيات" تتصرف بوازع المصالح الفردية، لا وفق برامج سياسية مدروسة.
مسرحية النواب يوم أمس لا تتعلق بموضوعة الأسعار. وقد وصفها بعض النواب بأنها مؤامرة على رئيس الوزراء د.عبدالله النسور، لكن تبعاتها أكبر من ذلك بكثير، ولا تقف عند حدود إيقاع الضرر بالنسور وحكومته، بل تطال الدولة.
صورة المجلس أمس تكشف الجريمة التي ارتكبت بحق المجتمع، وتجعل المرء يتساءل: هل هذا المجلس مؤهل لحمل رؤية الملك الإصلاحية التي تتحدث عن حكومات برلمانية، وملكية دستورية؟ بالتأكيد لا؛ فكل ما حدث خلال الشهر الماضي، وحتى يوم أمس، يؤكد عدم أهلية هذا المجلس للاستجابة لطموحات الإصلاح.
المسألة تضع استحقاق تشكيل الحكومة في مأزق من جديد. فالمرشحان الوحيدان للموقع، وهما د.عبدالله النسور، ونائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الحالي د.عوض خليفات، ينتميان إلى الحكومة نفسها، وكانا شريكين في قرار رفع الأسعار الذي قلل من فرص النسور، كما -منطقيا- من فرص د.خليفات، كونه عضوا في الحكومة، والرجل الثاني فيها.
سؤال اليوم التالي: من سيصل إلى خط نهاية سباق رئاسة الحكومة في ظل المعطيات الجديدة؟
عمليا، ستُقبل استقالة حكومة النسور اليوم، أو السبت المقبل على أبعد تقدير. وأحد السيناريوهات المتداولة، أنّه سيتم تكليف الرئيس النسور ووزرائه بتسيير الأعمال إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة، ما يعطي النسور وقتا للمناورة لاستعادة الأغلبية النيابية.
ما لم يقترح النواب أسماء جديدة لرئاسة الحكومة، وفي ظل المعطيات الحالية، تبقى فرص د.النسور قوية وقائمة، والفترة الانتقالية للحكومة والعمل مع النواب، سيعطيانه فرصة لإعادة بناء ما تم تدميره أمس، خصوصا وأن تيارا من النواب ما يزال يتمسك بالنسور خياراً أولاً لرئاسة الحكومة الجديدة.
والمفترض أن يرفع رئيس الديوان الملكي، د.فايز الطراونة، الترشيحات النهائية إلى جلالة الملك؛ وهي حتى يوم أمس مقتصرة على الشخصيتين ذاتهما، إلا إذا ظهرت مفاجآت جديدة تقلب الأوراق، وتعيد ترتيبها من جديد، في ظل حديث عن اجتماع مهم قد ينعقد الأسبوع المقبل للبت في القضية.
وما حدث يوم أمس أعاد بعثرة أوراق رئاسة الحكومة والنواب في آن واحد، وتوقع النتائج مرهون بتطورات الأيام المقبلة.
ونتمنى على النواب أن يتعلموا من أخطاء الشهر الماضي، وأن يسارعوا إلى ترميم صورتهم التي تكسرت على صخرة اللجان ورئاسة الحكومة، لعل وعسى يتمكنون من تعويض خسارتهم الكبيرة، وتجنب فضائح جديدة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد جمانة غنيمات صحافة