حتى تكون لقاءات الفريق الوزاري في موقعها الصحيح في العمل والتخطيط، وتقترب البرامج من أهدافها المفترضة، يتوقع أن يكون لدى المجتمع والدولة فهم مسبق وواضح للهدف من هذه اللقاءات والنتائج المتوقعة بناء عليها.
    ما يقال دائما عن هذه اللقاءات أنها أقرب إلى العملية الإعلامية، أو برامج العلاقات العامة الفاشلة. فالمطالب التي يجري الحديث عنها هي، ابتداء، برامج مدرجة في الخطط والموازنات، والعمل على تنفيذها يجري وفق التقاليد والحالات المعروفة، سلبا وإيجابا. وبعضها أنجز بالفعل، أو بدأ العمل في تنفيذه منذ فترة من الزمن. وتمرر هذه المطالب على المجالس الاستشارية للمحافظات، ثم يقدمها المجلس أمام وسائل الإعلام كما لو أنها مطالب المواطنين التي جرى تحضيرها استعدادا للقاء.
وبالطبع فإنه ليس مطلوبا من الحكومة أن تقدم وعودا غير مدرجة في الموازنة، ولا أن يتحمس رئيس الوزراء ويتخذ قرارات ومبادرات جديدة، تتناقض مع قواعد الإنفاق والتخطيط التي تحكم العمل، ولكن من المؤكد أن تحويل فرصة هذه اللقاءات إلى كرنفال إعلامي أو حفلة زار لا يخدم المواطنين والمجتمعات، ولا برامج العلاقات العامة للحكومة.
    فإذا كان هدف الحكومة من هذه اللقاءات إعلاميا، وتحسين صورتها وتعزيز الثقة بينها وبين المواطنين، فإن ذلك لا يتحقق بوعود مسرحية، واستغفال المواطنين واستسذاجهم، لأن ذلك سيؤدي إلى نتائج عكسية، وسيفهم على أنه استعلاء على المواطنين واستخفاف بهم، وستزيد أزمة الثقة المستفحلة ابتداء. فالحكومة تعاني في تمرير برامج وأفكار صحيحة وتخدم المواطنين، ولكن ينظر إليها بريبة وحذر فقط لأنها حكومية.
وإذا كانت هذه اللقاءات ذات أهداف وأبعاد تنموية وبرامجية، فأي موقع لها بالتحديد في التخطيط والتنمية؟
     يمكن أن تكون هذه اللقاءات برامج استماع حقيقية للمواطنين، تزود المسؤولين بمدخلات جديدة وإضافية لمعرفة وتقدير حاجات المواطنين وهمومهم، ومعرفة الواقع ميدانيا بدون وسائط، وبدون رتوش أو مجاملات، وأن يكون واضحا للمسؤولين والمواطنين أنها لقاءات استماع وتعرف، وأن الوزراء سيستمعون (بآذانهم على الأقل) ويطلعون على أفكار ومصادر غير تلك التقليدية التي تصل عبر القنوات والمؤسسات الحكومية، والتي قد تخفي أو تضيع بعض الأفكار والأصوات، أو قد تكون منحازة أو يحتملها التقصير، أو على الأقل للاقتراب من الأفضل في التخطيط.
    ويمكن أن تكون هذه اللقاءات فرصة حقيقية للمواطنين لإسماع أصواتهم وشكاواهم وآرائهم للمسؤولين، وقناة مباشرة وميسرة بين المسؤولين والمواطنين تتجاوز احتمالات التجاهل والضياع، وتشكل أيضا رقابة شعبية على الموظفين والرسميين، ليعلموا أن تجاهل المواطنين قد يجعلهم عرضة للمحاسبة، وأنهم لا يستطيعون أن يتجاهلوا المواطنين ويعرضوا عنهم ويكونوا في الوقت نفسه في مأمن من المحاسبة.
     ليس المطلوب أن يأتي رئيس الحكومة وفريقه الوزاري إلى المواطنين مليئا بالحلول والوعود والأماني، فقد انتهى هذا التفكير منذ زمن بعيد، ولكنه يستطيع، دون تكاليف وموارد إضافية، أن يصل إلى أكبر قدر من المواطنين العاديين ويستمع إليهم، وأن يعزز اعتقادا لدى المواطنين بأنهم شركاء في إدارة الموارد التي يملكونها، والضرائب التي يدفعونها، وأنهم ليسوا قاصرين أو تحت الوصاية، أو على الأقل أن يوفر وعاء تطبيقيا لتطبيق الحق الدستوري للمواطنين في وصولهم وعرض مطالبهم على المسؤولين.
    الفقر حسب مفهوم البنك الدولي لم يعد نقص الدخل فقط، ولكنه "الاستضعاف" وتضاؤل فرص المواطنين في إسماع صوتهم، وعدم قدرتهم على المشاركة في التخطيط والقرار لإدارة وتوفير احتياجاتهم، أو كما وصفهم القرآن الكريم "لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا".

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد