تواجه الحركة الإسلامية في مرحلة المشاركة المتوقعة في المشروع الأميركي للإصلاح، والتحول إلى العمل الوطني والإصلاحي والتنموي، بعد مرحلة طويلة من التركيز على العمل السياسي العام في مجال القضية الفلسطينية، والقضايا القومية والإسلامية الكبرى، تواجه جملة تحديات رئيسة وكبرى ستقرر مصيرها وقدرتها على الاستمرار والبقاء والنمو.
فهذا التحول يقتضي إعادة صياغة وإنتاج برامجها وهياكلها وعضويتها، وتركيبتها التنظيمية والعضوية، وأفكارها ومواقفها بما يلائم التحولات الكبرى المتوقعة في خطابها وبرامجها ووسائلها وعلاقاتها. فأن تكون الحركة الإسلامية حزبا حاكما أو شريكا في الحكم يعني مطالبتها ميدانيا وعمليا بتحمل ومواجهة قضايا واقعية ميدانية ومجتمعية، وهو تحول لن يقل في عمقه وصدمته عن تحول الحركة الإسلامية في تركيا، عندما أعادت إنتاج نفسها في حزب العدالة والتنمية.
لن تعود الحركة الإسلامية جماعة تعبر عن الضمير العام، والموقف الرومانسي المعلن والمرغوب للمجتمع والناس، ولكنها ستكون شريكا ومسؤولا، يتعرض للمحاسبة ويطالب بإنجازات سياسية واقتصادية لم يكن يعمل بها ابتداء. ولا يعني هذا التحدي حتمية الفشل، ولكنه يعني بالتأكيد تحولها إلى حزب سياسي اجتماعي أقرب إلى العلمانية، وتتلاشى المرجعية الأيدولوجية لتحل مكانها فكرة أو فلسفة عملية وتطبيقية محكومة بالمصالح والفرص والممكنات.
وبالطبع فإن الحركة الإسلامية في الأردن منذ بدء مشاركتها في العمل السياسي وإنشاء حزب جبهة العمل الإسلامي قد قبلت عمليا وأيدولوجيا العمل من خلال الدستور والقوانين والعقد الاجتماعي السياسي المنظم للحياة السياسية، ولم يعد للخطاب الأيدولوجي قيمة تنظيمية أو عملية إلا بمقدار دعمه للبرامج والأفكار العملية المتبعة، وتستطيع الجماعات في كل الأديان أن تجد في الدين إطارا مرجعيا يبرر ويفسر المواقف والبرامج، مهما كانت تبدو متناقضة ومختلفة.
وهكذا فإن المشاركة في الحكم وقضايا المرأة والتسوية السياسية وغيرها، ستخضع لمراجعة فكرية وتنظيرية، تجعل المواقف الجديدة صحيحة ومنسجمة مع الضمير العام الذي اتبع لعقود طويلة.
وربما يكون هناك خيار حاسم يشبه خيار حزب العدالة والتنمية، وهو التخلي نهائيا عن "الإسلامية"، أي الفكر والنظام السياسي والاجتماعي للمسلمين وليس الإسلامي، ودولة المسلمين وليس الإسلامية.
وبالطبع فإن التجربة وتحولاتها لم تقتصر على تركيا، ولكنها طبقت في السودان، وإيران، والبوسنة، والعراق، وأفغانستان. وهي تحولات لم تكن سلسلة وتلقائية، فقد صاحبها في كل الأمثلة والحالات السابقة آلام وانقسام وتحديات، وتراجع وتغير ونزاع وتعديل مستمر في المواقف والأفكار، حتى تحولت التجربة الإسلامية إلى حالة سياسية مجتمعية، محكومة بالمعطيات والتفاعلات الجارية أكثر مما تحكمها الأفكار والنظريات.
فقد انقسمت الحركة الإسلامية في السودان عام 1977 عندما قررت المشاركة السياسية مع الرئيس جعفر النميري، بعد سنوات من المقاومة والاعتقال، ثم انقسمت المجموعة السياسية التي أنشأها الترابي عام 1999، وها هو الترابي في السجن على يد رفاقه وتلامذته. وانقسمت الحركة الإسلامية في تركيا، وفي أفغانستان وفي العراق على خلفيات المشاركة والبيئة السياسية المحيطة بالعمل.
وتواجه الحركة الإسلامية في الأردن تحديا إضافيا مختلفا عنه في الأقطار العربية والإسلامية الأخرى، فقد بقيت الحركات الإسلامية غير الأردنية مرتبطة بقضايا المجتمع والبلد الذي تعمل فيه، وإن كانت مشاركتها وتجربتها ظلت مرتبطة بمرجعية فكرية وأيدولوجية أكثر مما هي ميدانية وعملية، ولكن الحركة الإسلامية في الأردن كانت في حالة ابتعاد كبير، عملي وفكري، عن القضايا والبرامج الوطنية والإصلاحية، وقد انشأت خطابها وجمعت مؤيديها وأعضاءها وأنصارها على أساس القضية الفلسطينية، ومعارضة التسوية السياسية، والتمسك بالحقوق الفلسطينية، وتشكل برنامجها النيابي (الذي يكاد يكون التجربة السياسية الوحيدة) على أساس التعبير عن المطالب الفلسطينية.
هذا الخطاب يتعرض اليوم إلى انعطافة كبرى، ومراجعة استراتيجية تعيد النظر في وجوده ومبرراته، بعد تحول حركة حماس في فلسطين إلى العمل السياسي ومشاركتها في السلطة الوطنية ومنظمة التحرير والانتخابات البلدية والتشريعية الفلسطينية.
وهنا سيكون التحدي الإضافي، وربما المصيري، أمام الحركة الإسلامية الأردنية في إعادة إنشاء برامجها، وتجميع الأعضاء والمؤيدين على أسس جديدة مختلفة كثيرا عن المرحلة السابقة، وهو أمر لن يكون سهلا ولا تحكمه فقط اعتبارات داخلية وبرامجية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد