برغم أجواء العداء الشديد التي شحنت العلاقة بين الإسلام وواشنطن فقد كشفت مؤشرات كثيرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول -وقبلها أيضا- عن مرحلة جديدة في العلاقة بين الولايات المتحدة والحركة الإسلامية قائمة على التمييز بين اتجاهات الحركة الإسلامية، واختلاف المصالح القٌطرية والإقليمية وما يتبعها من اختلاف في العلاقة مع الحركة الإسلامية حسب الأقطار والأقاليم، وضرورة الترتيب والاستعداد لمرحلة مستقبلية يبدو فيها دور مهم للحركة الإسلامية وبخاصة مع تنامي حركات العنف والتطرف وتحديها للاتجاه الوسطي المعتدل في الحركة الإسلامية.
 
وتبدي خريطة العالم الإسلامي الجديدة حالات من التعاون والقبول بين أميركا والحركة الإسلامية كما في أفغانستان، حيث بدأت الولايات المتحدة في مرحلة مبكرة من الثمانينيات علاقة من التنسيق والدعم للحركة الإسلامية الأفغانية، وكانت الحرب الأميركية على أفغانستان بعد أحداث سبتمبر/ أيلول بالتنسيق والتعاون مع تحالف الشمال القائم على الحركة الإسلامية الأفغانية والأقرب إلى جماعة الإخوان المسلمين بقيادة برهان الدين رباني وعبد رب الرسول سياف.
وفي تركيا واصلت الولايات المتحدة تنسيقها مع حزب العدالة والتنمية الإسلامي المشكل من حزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان الذي لم يستطع مواصلة حكومته عام 1997 بسبب العداء الذي أحاط بها من الداخل والخارج.
 
وتغيرت العلاقة بين الولايات المتحدة والسودان الذي تحكمه الحركة الإسلامية منذ عام 1989 إلى حالة إيجابية من التعاون والتنسيق، وساهمت واشنطن في إنجاز اتفاق سلام ينهي الحرب بين الحكومة والمتمردين الذين كانت تقدم لهم التمويل والدعم لمواجهة الحكومة المعادية لها.
 
وكان مجلس الحكم الذي تشكل في العراق برعاية الولايات المتحدة بعد سقوط نظام الحكم بقيادة صدام حسين يضم عددا من قادة الحركة الإسلامية السنية والشيعية والكردية.
 
ودخلت حركة حماس في حوار مع الولايات المتحدة بدأ في أوائل التسعينات، ثم استؤنف مرة أخرى في الفترة الأخيرة حسب تصريحات إعلامية لقادة حماس.
 
يتوقع أن صعود الحركات المتطرفة والإصلاح السياسي في العالم العربي الإسلامي هما تحديان أساسيان لواشنطن. فإستراتيجيتها السابقة لحماية مصالحها وفرضها في المنطقة أدت إلى غياب الديمقراطية وتنامي العنف والتطرف، وإذا كانت تملك فرصة للتعاون مع الحركات الإسلامية المعتدلة والتي تمتلك الفرصة الأقوى للنجاح في انتخابات ديمقراطية فإن هذه الحركات أيضا مهددة بالحالة الجديدة، وقد تتلاشى أو تضعف لحساب الجماعات المتطرفة والتي يبدو أنها بدأت تسحب البساط من تحت أقدام الجماعات الوسطية العريقة.
 
وسيكون الحل إما الاستمرار في الاستبداد والتوتر والصراع أو فتح المجال لموجات الإصلاح السياسي، وإن حملت معها الحركة الإسلامية التي وإن كانت تبدو معادية لواشنطن فإنها ستخضع لاعتبارات المصالح والواقع القائم، وهو ما يحدث الآن بالفعل في أفغانستان والعراق والسودان وتركيا، وأخيرا في فلسطين.
 
وربما تكون الحركة الإسلامية في الأردن اليوم تواجه استحقاقا يحول مسارها ومصيرها أيضا، فخطابها الذي استغرقته منذ أوائل التسعينات قضية التسوية السياسية والتطبيع ومناصرة حركة حماس، يواجه سؤالا أساسيا عن جدواه وفرصته في البقاء والاستمرار، فلم يعد ممكنا ولا مجديا الاستمرار في تقديم خطاب في القضية الفلسطينية تخلت عنه حركة حماس.
 
ماذا سيكون خطاب الحركة الإسلامية القادم، بل وما مصيرها القادم؟ ذلك سؤال كبير يحتاج إلى تفكير ونقاش طويل قد تعفينا منه الحركة الإسلامية وتقول لنا شيئا بدلا من هذا الصمت المطبق وكأن مشاركة حماس في السلطة الوطنية الفلسطينية وفي منظمة التحرير وفي الانتخابات البلدية والتشريعية أمر يحدث في بوركينا فاسو.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد