الأحد الماضي مرّت الذكرى السنوية الأولى لرحيل صديقنا الرائع سالم النحاس، وفي الحادي عشر من هذا الشهر سنحتفل جميعاً، أهله واحباؤه وأصدقاؤه وقراؤه ومعجبوه، ونحن منهم كلّهم، بالذكرى، لنستحضر أيامه الجميلة، ومبادءه الصارمة، واستقلاليته المطلقة، وعفّة يده ولسانه.
وفي عيد الميلاد المجيد ، قبل سبع سنوات ، كتبت مقالة حمل عنوانها اسم صديقي سالم النحاس ، فاتصل بي وقال: مشكلتي بعد موتي أنني لن أقرأ ما ستكتب في رثائي ، فرددت عليه بأنّ الأعمار بيد الله ، وقد يكون مضطراً للعودة للكتابة فيكون رثائي منه لا العكس.
ولا أعرف يا أبا يعرب ماذا سأكتب هنا ، وقد سبقتني إلى هناك ، ولست أجد من الكلمات أفضل ممّا كتبته عنك في حياتك فقرأته وأعجبك: فاجأني صديقي سالم النحّاس في يوم بورقة يحملها في محفظته ، فضضتها لأكتشف أنّها جزء من مقالة نُشرت في هذه الزاوية عن معاناة سيّدنا محمد صلوات الله عليه ، تتحدّث عن حادثة الطائف ، وكيف جلس الرسول على حجر وتوجّه إلى ربّه بالشكوى: اللّهم إليك أشكو ضعف قوّتي وقلّة حيلتي وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت ربّ المستضعفين ، وأنت ربّي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجّهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ، ولكنّ عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظُلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُنزل بي غضبك أو يحلّ عليّ سخطك ، لكّ العتبى حتّى ترضى ولا حول ولا قوّة إلاّ بك.
ولم يكن في تلك المقالة تكملة القصّة ، فقد أتى غلام نصرانيّ اسمه عدّاس إلى محمّد عليه الصلاة والسلام بعد أن تابع كيف سبّه الناس وصاحوا به ، وأعطاه قطفاً من العنب ، وجالسه وحادثه وآمن به بعد أن استمع إلى حديثه. وفي تلك الليلة أخذنا الحديث إلى معاناة المسيح أيضاً ، وبالضرورة إلى قصص معاناة الثوار والمناضلين.
نتذكر هذا كله ونحن نفتقده ونحاول ردّ جميله الوطني والثقافي، فصديقي الكاتب المناضل الذي تعب جسده في مراد نفسه العظيمة يستأهل منّا التكريم بعد الآخر ، ليس في عمّان فحسب بل في القدس ودمشق وبيروت والقاهرة ، وفي كلّ مكان عمل من أجله.
ولست أنسى سيارة سالم الفولكس فاغن القديمة التي كان يتنقّل فيها في إعلان صريح عن نزاهته ، ولا جملته الشهيرة في رواية “تلك الأعوام” حول حدود مادبا بالمقابر والمخيّم ، فكأنّ هذا مقبرة أيضاً ، وفي كلّ الأحوال أتمنّى أن تكون استراحة المحارب سالم النحّاس مناسبة له للكتابة ، فقد اشتقنا لقلمك يا أبا يعرب.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باسم سكجها جريدة الدستور