التأمين التعاوني:
مفهوم التأمين الإسلامي:
يقوم التأمين الإسلامي على أسس ومبادئ التأمين التعاوني أو التكافلي التي تهدف إلى التعاون والتكافل الاجتماعي بين المؤمَّن لهم، فهو لا يقوم على أساس مبدأ الربح، بل على مواجهة الأخطار في المقام الأول، وتحمل الآثار المادية لأي خطر أو ضرر يلحق بالمؤمَّن له أو بممتلكاته، ويتعاون المشتركون فيما بينهم وفقاً لهذا المبدأ على تعويض أي فرد منهم يتعرض للضرر بفعل أيٍ من الأخطار التي قد يتعرض لها.
وبما أن المشتركين (حملة وثائق التأمين) هم أصحاب العملية التأمينية؛ فإن من حقهم أن يستعيدوا الفائض من عمليات التأمين نقداً، كل حسب قيمة قسطه بعد اقتطاع المخصصات والمصاريف اللازمة، دون أن تحتفظ أو تحصل الشركة أو مساهميها على أي نسبة من هذا الفائض.
خصائص التأمين الإسلامي وأهم ما يميزه:
أولاً: اجتماع صفة المؤمِّن والمؤمَّن لـه في كل عضو:
وهذه من أهم الخصائص التي يتميز بها التأمين الإسلامي عن غيره، حيث إن أعضاء التأمين التعاوني يتبادلون التأمين فيما بينهم، إذ يؤمِّن بعضهم بعضاً، فهم في نفس الوقت مؤمِّنون ومؤمَّن لهم، واجتماع صفة المؤمِّن والمؤمَّن لـه في شخصية المشتركين جميعاً يجعل الغبن والاستغلال منتفياً؛ لأن هذه الأموال الموضوعة كأقساط مآلها لدافعي التأمين.
ثانياً: حرية الملكية والإدارة:
ومعنى هذا أن باب العضوية مفتوح لكل راغب في الانضمام، دون تمييز بين فرد وآخر بسبب الجنس أو اللون أو العقيدة، ومعاملة الأعضاء بمساواة تامة بين الجميع.
ثالثاً: عدم الحاجة إلى وجود رأس مال:
حيث يتم إنشاء مشروعات التأمين التعاوني عندما يتفق عدد كبير من الأعضاء المعَرَّضين لخطر معين على توزيع الخسارة التي تحلُّ بأي منهم عليهم جميعاً، مما يؤدي إلى عدم الحاجة إلى رأس مال.
رابعاً: انعدام عنصر الربح:
لا يسعى هذا النوع من الهيئات إلى تحقيق أي ربح من القيام بعمليات التأمين، وتحقيق أي فائض يعد دليلاً على أن الاشتراك الذي يتم تحصيله كان أكثر مما يجب تقاضيه؛ مما يستتبع رد هذه الزيادة إلى الأعضاء، وعندما نقول أن التأمين التعاوني لا يهدف إلى الربح؛ فقصدنا أنه لا يهدف في مقابل الضمان، أما في مقابل الإدارة، فهو معاوضة كسائر المعاوضات.
خامساً: توفير التأمين بأقل تكلفة ممكنة:
تعتمد الفكرة التي تقوم عليها مشاريع التأمين التعاوني على توفير الخدمة التأمينية لأعضائها بأقل تكلفة ممكنة؛ وذلك لأسباب من أهمها:
· غياب عنصر الربح
· انخفاض المصروفات الإدارية، فلا يحتاج إلى وسطاء أو مصروفات دعاية وإعلان.
سادساً: قيامه بدور اجتماعي لخدمة البيئة والمجتمع:
إن قيام مشاريع التأمين التعاوني وانتشارها تقوي -بصورة عامة- من الحركة التعاونية، وتعمل على نموها وازدهارها، سواء على المستوى المحلي أو الوطني أو العالمي.
أهم ما يتميز به التأمين التعاوني الإسلامي عن التأمين التجاري:
مع وجود جوانب الاتفاق بين التأمين الإسلامي والتأمين التجاري، إلا أن هناك جوانب من الاختلاف يمتاز بها التأمين الإسلامي عن التأمين التجاري، وهي كالتالي:
أولاً: من حيث المشروعية:
التأمين الإسلامي جائز شرعاً، فيما التأمين التجاري في الرأي الراجح محرم.
ثانياً: من حيث الهدف والقصد:
يختلف التأمين الإسلامي عن التأمين التجاري في القصد والهدف من وراء التعاقد؛ فغاية التأمين الإسلامي: تحقيق التعاون بين مجموعة حَمَلَة الوثائق، أما تحقيق الربح بالنسبة لشركة التأمين الإسلامي فهو قصد تبعي، الغرض منه استمرار العملية التأمينية، وقدرتها على أداء وظيفتها.
أما التأمين التجاري فالقصد منه: تحقيق الربح والاتجار بالعملية التأمينية، وما ينتج عنها من صور للتعاون، عن طريق إجراء المقاصة بين أقساط التأمين المجمعة وأرباحها، وبين مبلغ التأمين المستحقة، ويمثل الناتج منها ربح الشركة في حال تحقق الفائض التأميني.
ومنه يتضح أن التعاون في التأمين التجاري ليس مقصوداً في ذاته، بل هو مقصود بالتبع.
ثالثاً: من حيث طبيعة العقد:
التأمين الإسلامي من عقود التبرعات؛ فيأخذ أحكامها من حيث الاختلاف في تأثير الجهالة والغرر، والربا إذا وجدت فيه.
أما التأمين التجاري فهو من عقود المعاوضات، فيأخذ أحكامها من حيث تأثير الغرر، والجهالة، والربا فيه.
رابعاً: من حيث أطراف التعاقد:
أطراف التعاقد في التأمين الإسلامي: هم حملة الوثائق فيما بينهم، فهم المؤمنون والمستأمنون ولا تعد شركة التأمين طرفا في عقد التأمين الإسلامي، فإن أقساط التأمين تبقى ملكا لحملة الوثائق ولا تدخل في حساب حملة الأسهم، والتعويض مبلغ التأمين يدفع من محفظة حملة الوثائق. بينما في التأمين التجاري فإن العقد بين شركة التأمين والمستأمنين، وبالتالي فإن أقساط التأمين تعد ملكا للشركة، ومبالغ التأمين تدفع من حسابها.
خامساً: من حيث تحمل العجز:
في التأمين الإسلامي يتحمل حملة الوثائق ضمان عجز محفظتهم عن تغطية مبالغ التأمين المطالب بها، ولا تتحمل شركة التأمين أي تبعة في ذلك.
بينما في التأمين التجاري فإن شركة التأمين تلزم بدفع مبالغ التأمين، وإن تجاوزت أقساط التأمين المحصلة، ولا يحق لها أن ترجع بالفرق على المستأمنين.
سادساً: من حيث الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية:
تلتزم شركات التأمين الإسلامية بأحكام الشريعة الإسلامية في جميع معاملات الشركة، وفي استثمارها لموجودات محفظتي حملة الوثائق وحملة الأسهم، وفي العلاقات بين حملة الأسهم ببعضهم، وحملة الوثائق فيما بينهم، وحملة الأسهم بحملة الوثائق.
بينما التأمين التجاري لا يراعي في استثماراته أن توافق أحكام الشريعة أو تخالفها.
دور شركات التأمين في صناعة هذه الأزمة:
كان لشركات التأمين دور فاعل في صناعة هذه الأزمة ومضاعفة نتائجها، بل إنها كانت أحد الأركان والأسس التي نهضت بهذه الأزمة المالية عالياً لتطيح بصروح مالية واقتصادية كانت مشيَّدة، فإن المصارف عندما تقرض شخصاً تحرص على أخذ كل الضمانات الممكنة والتي تدلُّ على ملاءة هذا الشخص وإمكانية سداده؛ حرصاً منها على عدم التضرر من إفلاس المقترض، ولكن إن استطاعت المصارف المقرضة نقل الخطر على طرف ثالث -والتي هي شركات التأمين- كان هذا بمثابة طوق نجاة للمصرف، فإن المقترض إذا أفلس أو عجز عن السداد قامت هذه الشركات بدفع كامل قيمة هذا القرض للمصرف، وعليه فلن يبذل المصرف الجهد السابق للتأكد من ملاءة العميل وقوته على السداد، بل راحت المصارف تبحث عن أي فئة لتقرضها، حتى ولو كانت الفئة الأقل جدارة، وذلك أن المخاطر ستتحملها شركات التأمين، ولا علاقة للمصرف بها، ولم تكتفِ المصارف عند هذا الحد، بل أوغلت أكثر وأكثر، وأصدرت سندات بهذه الديون المؤمَّن عليها، وراحت تبيعها في الأسواق على أنها دوين مؤمَّن عليها، فمن يشتريها سيكون قد اشترى ديناً مؤمَّناً عليه، فلن يبالي بالتالي أكان المقترض قادر على السداد، أو لا؟
إن دور شركات التأمين جاء فاعلاً في هذه الأزمة، حتى أنه لا يمكن تصور اكتمال حلقات مسلسل هذه الأزمة إلا بدور البطولة والتي تقاسمته شركات التأمين مع المصارف.
وكان مما شجَّع شركات التأمين على ذلك: أن شركات التأمين كانت في مأمن طالما كانت أسعار العقار التي يتم تمويلها آخذ في الارتفاع، وذلك أنه يمكن بيع العقار في أي وقت، وتسديد هذه الديون؛ ولذلك لم يكن هذا مصدر خوف وقلق بالنسبة لشركات التأمين، طالما الأسعار في ارتفاع، إلى أن جاء الوقت وتهاوى فيه كل شيء مرة واحدة.
ومن هنا يمكن لنا تصور اكتمال مثلث الأزمة، وهي معادلة كالتالي:
التأمين على القروض يساعد على المزيد من الإقراض، والإقراض يساعد على التضخم وارتفاع الأسعار، وذلك لكثرة السيولة في يد المستهلكين، وارتفاع الأسعار يساعد على التأمين على القروض لانخفاض المخاطر.
دور الاقتصاد الإسلامي في علاج هذه الأزمة:
لا يتخذ الاقتصاد الإسلامي دور المعالج فقط، والذي يأتي متأخراً دائماً، إنما يمتاز دائماً بوضع الحلول الوقائية، والتي تكون عاصمة بإذن الله - تعالى -من الوقوع في مثل هذه الأزمات، وقد تعالت صيحات عقلاء الغرب والعارفين فيه بالرجوع إلى الاقتصاد الإسلامي، وقراءة ما ورد في القرآن الكريم من تعاليم لمعالجة مثل هذه الأزمات، وقد تحدث المختصون منذ بداية هذه الأزمة أن مثل هذه الأزمات إنما هي نتاج لأمور حرَّمها الإسلام، فهذه الأزمة ابتدأت بالربا، وانتشرت بالميسر والقمار، وهو ما نهى عنه الإسلام، بل وشدد في نهيه؛ وما ذاك إلا لحكمة ربانية ولو لم يأت في الشرائع الربانية تحريم لهذه المعاملات، لكان حريٌ بعقلاء العالم أن يجتمعوا على تحريم هذه المعاملات؛ لضررهما.
وعوداً على ما سبق وذكرته من أن الاقتصاد الإسلامي دائماً ما يضع الحلول الوقائية قبل الدخول في الأزمات، أحاول هنا تحليل بعض شروط التأمين الإسلامي التي شرطها الاقتصاديون الإسلاميون، وجعلوها مما يميز الاقتصاد التعاوني الإسلامي عن الاقتصاد التجاري، ودور ذلك في علاج دور التأمين في هذه الأزمة.
أولاً: من حيث الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية:
ذكرنا فيما سبق أن شركات التامين الإسلامي ملتزمة بأحكام الشريعة في جميع تعاملاتها، وهذا ما يميزها عن مثيلاتها التجارية، ونحن إذا تأملنا هذه في هذه الأزمة نجد أن أحد أسسها هو التأمين على الديون وبيع الديون.
وعند التمحيص في التكييف الفقهي للتأمين على الديون؛ نجد أنها تماثل عقد الكفالة في الفقه الإسلامي، فلا بد من تطبيق شروط كفالة الأموال عند تطبيق هذا العقد، ومن أهم ما يشترطه الفقهاء عند هذا العقد: (أن تكون هذه الكفالة بدون أجرة)، وذلك حتى تخرج من صور الربا، وذلك أن الكفيل إذا أخذ أي عوض مادي مقابل هذه الكفالة ثم آلت هذه الكفالة إلى السداد؛ كان على المكفول سداد هذا الدين وأجرة الكفيل، فآلت الأمور إلى دين وزيادة وهو ربا النسيئة الذي نهى الله عنه، وهذا هو الراجح عند أكثر أهل العلم، وخاصة في كفالة الأموال.
وإذا تأملنا نجد أن شركات التأمين التجارية لم تسع للتأمين على هذه الديون إلا للرسوم المغرية التي تتلقاها هذه الشركات مقابل التأمين على هذه الديون، ومِن هنا نجد أن هذا التأمين عاد إلى شكل منهي عنه في العقود، ولو أن هذه الشركات اتخذت طريق التحليل والتحريم؛ لما وقعت بمثل هذا الأزمة؛ لأنه لن يكون هناك تأمين على الديون.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فبيع الديون على غير المدين، أو بعبارة أخرى: تمليك الدين لغير المدين لا يصح عند جمهور الفقهاء؛ لأن فيه تصرفاً بما ليس في اليد ولا له من السلطة شرعاً ما يمكنه من القبض؛ فكان بيعاً لشيء لا يقدر على تسليمه، إذ ربما منعه المدين أو جحده، وذلك غرر؛ فلا يجوز كما نص على ذلك الفقهاء، ومن أجازه اشترط له من الشروط التماثل والتقابض في مجلس العقد ما يخرجه عن ربا الفضل، وهو ما لا يمكن تصوره في صورة بيع سندات تأمين الدين.
أقول: وبعد هذا هل يمكن تصور اكتمال حلقات هذه الأزمة أو نموها بهذا الشكل المريع إذا كانت شركات التأمين تعاونية لا تُأمِّن على الديون، ثم لا تبيع ولا تشتري سندات هذه الديون؟!
ثانياً: من حيث الهدف والقصد:
عند الحديث عن أهم ما يميز شركات التأمين التعاوني عن مثيلاتها التجارية: أن ما يميز الأولى أن الربح فيها يأتي عرضياً، ولكنها لا تقصده بالمقام الأول، وإنما تقصد تحقيق التعاون بين حملة الوثائق، وهو بخلاف هدف شركات التأمين التجارية والتي ليس لها هدف سوى تحقيق أعلى درجات الربح لحملة الأسهم دون النظر لحملة الوثائق، وهو ما ساهم في نمو هذه الأزمة وظهورها، فشركات التأمين التجارية ما إن شعرت أن هناك فرصة لأخذ الرسوم المالية المرتفعة حتى استبقت للتأمين على هذه الديون بغض النظر عن كون الفئات المقترضة هم من أصحاب الفئات الأكثر جدارة أو الأقل جدارة، فكانت تنظر أنه وبما أن أسعار العقار في ارتفاع أنها ستكون بمعزل عن هذه الأخطار، حتى حصل وانفجرت هذه الأزمة، وكان أحد أهم ضحاياها شركات التأمين التي كانت تتلاعب بالنار.
ثالثاً: من حيث تحمُّل العجز:
أشرنا فيما سبق إلى أنه في شركات التأمين التعاوني الإسلامي يتحمل حملة الوثائق ضمان عجز محفظتهم عن تغطية مبالغ التأمين المطالب بها، ولا تتحمل شركة التأمين أي تبعة في ذلك.
بينما في التأمين التجاري فإن شركة التأمين تلزم بدفع مبالغ التأمين وإن تجاوزت أقساط التأمين المحصلة، ولا يحق لها أن ترجع بالفرق على المستأمنين، الأمر الذي ساهم في إفلاس بعض من شركات التأمين الكبرى في العالم، وهي أنها لم تستطع أن تغطي مبالغ هذه التأمينات، والتي أصبحت بمئات المليارات، فما كان لها من بُدٍّ في إعلان إفلاسها، وهو ما حصل مع المجموعة الأمريكية العالمية للتأمين (أيه أي جي) وهي شركة التأمين الأم، وأكبر شركة تأمين في العالم.
والتي كانت على شفا حفرة من الإفلاس بعد وقوعها أمام مطالبات لديون ناتجة عن قيامها بتأمين القروض، والتي تعدُّ معدومة اقتصادياً، قبل أن يجند البنك المركزي الأمريكي كل طاقاته لإنقاذ هذه الشركة بإقراضها (85) مليار دولار، وهو نفس الأمر الذي حصل لشركات سويسرية مثل (سويس ري) -والتي توشك على الإفلاس- وشركات يابانية هو الحاصل لشركة (ياماتو لايف) للتأمين، والتي أعلنت إفلاسها مؤخراً بسبب تأثرها بالأزمة المالية العالمية.
هذا كله لم يكن ليتصور في شركات التأمين التعاوني الإسلامي وذلك أنها -وبكل سهولة- ليست مطالبة بتسديد كامل مبالغ التأمين، وإنما هي مطالبة بالرجوع إلى المساهمين لدعم هذا العجز الحاصل، أو بإعطاء كل متضرر نسبته من هذا التأمين.
أخيراً:
إن مثل هذه الأزمات تدعو عقلاء العالم أجمع للنظر إلى البديل الإسلامي الرائع، والذي يمثل حاجزاً واقياً للوقوع في مثل هذه الأزمات المالية المتتالية.
والله أعلم.
http://www.fiqhforum.com
حكم بطاقة فيزا وماستر كارد الائتمانية الصادرة من مصرف الراجحي
استثمار الأسهم والسندات في بلاد الكفار
بذل المال في الوظائف تعييناً ونقلاً
شقق التمليك أحكام وضوابط
يعمل في إذاعة بعض بثها محرم
المراجع
موسوعة المختار الأسلامي
التصانيف
اقتصاد