يفترض أن الانتخابات النيابية والعامة تعبير مثالي عن قاعدة تساوي المواطنين، وأهليتهم جميعا بلا استثناء للحكم وتولي المناصب وإدارة البلد والموارد، وبسبب تساويهم المطلق في هذا الحق تجرى الانتخابات لاختيارعدد منهم، ولكن لماذا تحولت الانتخابات إلى عملية مغلقة، تُحرم فيها معظم فئات الناس من المشاركة؟
هذا الإغلاق شبه التام يلغي العملية، أو يعطلها، ففي أشد مراحل الإقطاع والتقسيم الطبقي كان ثمة فرصة للعامة في الدخول إلى الطبقات الأرستقراطية من مدخل "الفروسية".
يجب أن تتيح أي عملية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية مجالات مقنعة لجميع الناس بفرصهم في الترقي وتحسين حياتهم عن طريق المشاركة، وهذا هو سر نجاح "اليانصيب". وفي هذا السياق كان الحماس للمشاركة في الانتخابات النيابية باعتبارها على الأقل فرصة فردية أو مجتمعية لاختراق الاحتكار والتأثير، إن لم تكن تعبيرا عادلا عن المشاركة، ولكن لأن هذا المدخل في المشاركة غير صحيح وغير منطقي، ويشبه إلى حد كبير الاتجار بالأسهم من خلال شركات غير مؤهلة، فقد أدى ذلك إلى خلل كبير في المشاركة والحياة العامة، لأن الانتخابات النيابية في تصميمها وفكرتها الأساسية هي جدل السياسات والتشريعات، ولا يصح أن تكون غير ذلك، ومن ثم فإن استخدامها (الانتخابات) لأجل تحقيق الطموحات الفردية والمجتمعية جعلها اليوم مخيبة لآمال الطبقات الوسطى، وقلل حماسها للمشاركة.
كيف تعود الانتخابات العامة جدلا سياسيا وتشريعيا، وكيف يتحمس الناس جميعم للمشاركة في الانتخابات؟
يجب أن يكون ثمة مساواة وعدالة تامة، والمساواة تدفع للمشاركة السياسية والعامة، وأما التحايل على غياب المساواة والعدالة بمحاولة التسلل الفردي أو العشائري أو المجتمعي إلى البرلمان، فذلك يشبه ما يفعله شاب ورث سيارة رولز رويس، ولكنه لا يملك مصروفه اليومي، فحولها إلى بسطة لبيع البندورة والفجل!
نحن نملك فرصة انتخابات نيابية، وذلك أمر ثمين وبالغ الأهمية، ولكننا نستخدمها لغير أغراضها، بل لأغراض بالغة الضآلة والمحدودية، ولكن هذا الاستخدام مبرر، وإن يكن هذا التبريرلا يعفي من المسؤولية الأخلاقية والعامة والقانونية أيضا، أو سببه الشعور بالنقص للتنافس العادل على الفرص والموارد.
والواقع أن "المساواة" عملية تنطوي بالضرورة على رغبتين متصارعتين، وإرادتين متناقضتين، فلن يتنازل الأغنياء والمحتكرون ببساطة وطواعية ورضا (إلا في حالات قليلة لا تصلح للقياس)، ولن يحصل الفقراء على فرصهم بسهولة، ولن تحصِّلها لهم الدولة والحكومة بنجاح وفاعلية، كما ثبت بالتجربة التطبيقية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد