من المدهش أن مجتمعا يعاني من الضائقة الاقتصادية مثل المجتمع الأردني يكون قادرا على هدر كميات كبيرة من النفايات والمخلفات التي يمكن إعادة استخدامها في إحتياجات أخرى ، بل وبناء قطاع اقتصادي مستقل بذاته يعتمد إلى إعادة إنتاج وتدوير المواد.
في عمان يتم التخلص يوميا من 150 طن نفايات منذ بداية شهر رمضان الحالي ، ولا بد أن تكون نسبة المواد الغذائية التي لا زالت صالحة للاستهلاك كبيرة لأن الطريقة التي يتم بها التسوق والاستهلاك توحي بميل نحو الفائض والتفاخر بدلا من التواضع والتقشف. أن هذه الكميات لو تم التبرع بها أو تغليفها بشكل جيد وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين لكان ذلك أفضل بكثير من الهدر. ولكن ثقافة الهدر لا تقتصر فقط على الشؤون المنزلية بل أنها تبدو راسخة حتى في الأنماط الاقتصادية والصناعية والتي يفترض أنها تعمل على تقليص الخسائر والاستخدام الأمثل للموارد.
حتى الآن لم يتمكن الأردن من بناء اقتصاد مواز لإعادة التدوير كما في الكثير من الدول المتقدمة وبعض الدول النامية. مثل هذا النظام بحتاج إلى وعي وتعاون من المواطنين إضافة إلى حوافز اقتصادية لجامعي وفارزي المخلفات والذين يعملون الآن ضمن ظروف قاسية وغير صحية وغير منظمة. وفي حال تم بناء شبكة من المحطات الخاصة بالفرز أو حتى في محطات مركزية داخل مكاب النفايات يمكن لهذا العمل أن يكون منظما ومجزيا من الناحية الاقتصادية والمالية.
يحتاج الأمر إلى مجموعة من المرافق لإغلاق دائرة إعادة التدوير ولعل واحدا من أهم الأمثلة هو إعادة استخدام الإطارات التالفة. في جميع أنحاء الأردن يتم التخلص العشوائي من الإطارات التالفة وأحد أهم مواقع التخلص منها أصبح الآن سيل الزرقاء وخاصة في الأجزاء الجافة في الرصيفة والزرقاء. هذه الكميات من الإطارات يمكن جمعها من خلال ترتيب منظم وبيعها إلى مصنع خاص لإنتاج حبيبات مطاطية من الإطارات وهذا المصنع بدوره يقوم بتصدير هذه الحبيبات إلى اسواق عربية وأوروبية وما يحتاج له هو كميات من الإطارات. ومن أجل إغلاق هذه الدائرة يقوم أحد المستثمرين حاليا بالإعداد لبناء مصنع لإنتاج مسطحات مطاطية مثل الملاعب مصنوعة تماما من الحبيبات الناجمة عن إعادة استخدام الإطارات وذلك لاستخدامها في السوق المحلي وتصديرها. هذه السلسة تحتاج فقط إلى بعض المحفزات الاقتصادية والضريبية كي تكتمل وتساهم في حل مشكلة تراكم الإطارات التالفة.
وتطالب الأجندة الوطنية في مجال إعادة التدوير وإدارة المخلفات الصلبة بوضع وتطبيق برامج للفرز الفعّال لأنواع النفايات الصلبة المختلفة في مرحلة الإنتاج لتسهيل معالجتها واستخدامها وتوفير الحوافز اللازمة لتشجيع عملية إعادة التدوير. أما المؤشرات الرقمية التي وضعتها الأجندة الوطنية والتي تمثل حاليا برنامج عمل الحكومة فهي ضرورة رفع فاعلية تدوير النفايات الصلبة التي يصل حجمها في الأردن إلى 1,5 مليون طن سنويا ، بحيث تصل الى 15 في المائة عام 2012 ، والى 25 في المائة بحلول عام ,2015
وزارة البيئة وضعت بعض البرامج والمشاريع المستندة إلى الأجندة الوطنية في مجال فرز النفايات حيث سيتم انشاء وحدة لاعادة الفرز في مكبي الغباوي والاكيدر وتوزيع حاويات خاصة على مناطق محددة لجمع النفايات التي يمكن تدويرها وتخصيص مركبات خاصة بجمع تلك النفايات. ويتم حاليا الإعداد لقانون خاص بالنفايات في الأردن يتضمن بنودا تشجيعية لدعم ممارسات إعادة التدوير والتي يمكن من خلالها تحقيق الكثير من الفوائد الاقتصادية وإنشاء استثمارات ناجحة وحل مشاكل تلوث البيئة ، والتجارب الغنية والمتميزة موجودة في كافة دول العالم. ولكن الأهم هو التركيز على ثقافة الترشيد والتوفير وإيجاد كل السبل المبدعة لإعادة استخدام المواد لأن كل القوانين والسياسات لا تحقق الكثير من المنفعة بدون تعاون المستهلك.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور