كل حروب التاريخ قائمة، لكننا نظن أن بعضها قد انتهى. وبينما يقنع طرف نفسه أن تلك الصفحة قد طويت للأبد، يكون الطرف الآخر يعمل جاهدا على الفوز أو الانتقام، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، رسميا أو على المستوى الثقافي والعلمي والإنساني والاقتصادي والاجتماعي.. إلخ.
حربنا مع العدو الإسرائيلي لم تنته على أرض الواقع. ومع أن بعضنا يقنع نفسه أن حقيبة السلام مليئة بالمفاجآت السارة، تعمل آلة الدولة والمجتمع الإسرائيلي، وعلى مستويات مختلفة، على ضرب أي فرصة بقاء لنا وعلى كافة الأصعدة، وتنشط مراكز الدراسات المرتبطة مع المراكز الاستخبارية على التدقيق في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بنا، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، يتابعون حتى مقالات وأخبار في مواقع إلكترونية لا يدخلها أحد سوى صاحب الموقع وهم فقط.
قال لي الصديق فراس خليفات: "قمت بوضع رابط مقال على "تويتر" حول الهوية الأردنية الجامعة، واكتشفت تقنيا أن دخولا متكررا على هذا الرابط جاء من إسرائيل، لم يكن دخولا واحدا، بل عشرات، مع أن الموضوع اجتماعي أردني بحت". وقبل سنوات، خضنا حرب تكسير عظام مع تجار إسرائيليين، ينسبون تمر المجدول "المجهول" لهم، ويحاولون تشويه مزارع الأغوار ومنتجاتها، كما حدث مع المدعو "فينجوش" وزملائه الذين ينشرون ويروجون لتقرير حول مياه الديسي، تم إعداده بصورة "مريبة" حول المياه الجوفية لمنطقة الشرق الأوسط. والغريب أن التقرير يذكر أن مياهنا قد تحتوي على الإشعاع، لكنه لم يذكر شيئا تتعلق بالمياه التي في الجانب الآخر من بلادنا المحتلة. وقد ورد لمقال على مدونتي في "مكتوب" أكثر من 20 الف إزعاج وقرصنة فقط لأن المقال يعري الطريقة التي تم فيها تشكيل العصابة الصهيونية منذ ظهور زعيم العصابة المدعو هيرتزل.
ذكر لي صديق آخر أنه وجد نفسه بالخطأ عامل تنظيف في أحد الكنس الإسرائيلية في ضواحي عاصمتهم المزعومة، وتبين أن الطابق الثالث تحت الأرض هو مركز دراسات يعمل على مدار الساعة في جمع المعلومات وتحليلها وتوثيقها وإصدار تقارير حولها. قال: "كان الدخول مستحيلا لأن الشرط الأساسي الذي يتم تدقيقه مرات من قبل المقاول هو أن عامل التنظيف عليه أن يكون أميا لا يقرأ ولا يكتب، ولم يعلم أحد منهم أنني أقرأ وأكتب الإنجليزية والعربية والعبرية بامتياز".
العدو لا يريدنا أن نتفق على شيء، حتى تلك الأشياء التي تخدم أغراضه البعيدة وأحلامه الكبيرة التي لن تتحقق بإذن الله. ففكرة الوطن البديل تشغلهم على مدار الساعة، ويعتقدون جميعا أنها الحل الوحيد لكل مشاكلهم، ويعلمون أننا لا نستطيع مناقشة هذا الموضوع لأن كل من يطالب بالحقوق الفلسطينية سيُتهم فورا أنه يرغب بشق صفوف الوحدة الوطنية، ولا يعلمون أننا كلنا أردنيون حين يتعلق الأمر بالهوية الأردنية وكلنا فلسطينيون حين يتعلق الأمر بجميع الحقوق الفلسطينية المغتصبة.
لا نطالبهم بإغلاق مراكز التشويه المتوفرة في كل مكان من العالم، ولكننا نطالب أنفسنا بفهم هذه المعادلة والتركيز عليها أثناء نشر المعلومات والأخبار، ونطالب بمراكز وطنية متفوقة تعمل على قاعدة أن حربهم الشاملة ضدنا لم تنته بعد حتى لو لم نسمع صوت الرصاص.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جلال الخوالدة