أمضى عشاق كرة القدم ليلة مثيرة يوم الأربعاء في تصفيات كأس العالم. ما حدث في ستاد الملك فهد في الرياض كان أشبه بمعجزة لا تتكرر إلا كل 20 سنة مرة حيث انتقلت بطاقة التأهل إلى الملحق النهائي من المنتخب البحريني إلى السعودي ثم عادت إلى البحريني خلال ثلاث دقائق من الوقت بدل الضائع. بالنسبة للأشقاء في البحرين والسعودية كانت هذه المباراة غير مناسبة لذوي القلوب الضعيفة ولكن على الأقل يمكن لهم أن يكونوا فخورين بالأداء والمستوى الذي وصل إليه الفريقان في التصفيات.
هذا لا بنطبق أبدا على منتخبنا الأردني الذي كان في نفس الليلة يظهر حالته المتهالكة المثيرة للشفقة ربما أكثر من الغضب وهو يخسر أمام نيوزيلندا بقسوة في عمان في مباراة ودية تبعت تعادلا باهتا مع ماليزيا قبل أيام .
أعتبر نفسي متابعا دقيقا للمنتخب الوطني منذ ثلاثة عقود ولم يسبق أن شاهدت المنتخب فاقدا للروح والإبداع كما هو حاصل حاليا. قبل 25 سنة تقريبا ذهبت برفقة صديقي د. أحمد جميل عزم الباحث في مركز الإمارات للدراسات الإستراتيجية والكاتب في الزميلة الغد ومجموعة من أصدقاء المدرسة إلى ستاد عمان الدولي لمشاهدة المنتخب الأردني وبتشكيلة من اللاعبين الموهوبين والمجتهدين الذين كانوا يفتقدون إلى الإمكانيات والتنظيم وهو يهزم المنتخب القطري بالهدف التاريخي لقلب الدفاع عصام التل وهو الهدف الذي بقي ملازما لشارة المجلة الرياضية لأكثر من عقد وألهم الأغنية المشهورة "راياتك فوق لواحة". وبعد شهر قدم المنتخب مباراة رائعة أمام أفضل تشكيلة في تاريخ المنتخب العراقي وخسر بعد أن سجل المنتخب أجمل هدفين في تاريخه عن طريق راتب الداوود وجمال أبو عابد بينما واصلت العراق المسيرة نحو كاس العالم. ذلك المنتخب تمتع بالروح العالية والإنتماء الحقيقي ومساندة رائعة من الجمهور بالرغم من عدم توفر الإمكانيات المالية. ربما كان منتخبنا في ذلك الوقت يجد صعوبة في مجاراة الأشقاء الأكثر خبرة مثل العراق والكويت والسعودية وخاصة خارج الأردن ، ولكن في عمان كان المنتخب صعبا جدا أمام اي فريق وكان من الصعب أن يخسر. استمر منتخبنا يقدم مباريات مقنعة نسبة للإمكانيات وحقق مركزا طيبا في بطولة كأس العرب في العام 1988 وثم فاز بدورة ودية على حساب المنتخب العراقي في العام 1992 في مباراة مشهودة. النقلة النوعية بدأت في العام 1997 بالفوز بذهبية الدورة الرياضية العربية على حساب المنتخب السوري في بيروت والاحتفاظ بها في العام 1999 في عمان بعد مباراة مجنونة مع المنتخب العراقي تحولت من فوز أردني بأربعة أهداف مقابل لا شيء إلى تعادل ثم فوز أردني بالضربات الترجيحية بحضور جلالة الملك عبد الله والتي شهدت الكثير من شد الأعصاب والصور الرائعة لجلالته وهو يرتدي قميص المنتخب ويقفز فرحا بالفوز بحضور الامراء فيصل وعلي بن الحسين والحسين بن عبد الله وجلالة الملكة رانيا والملكة نور.
كان المنتخب يعتمد هنا على إجتهاد متميز من المدرب الوطني محمد عوض وحماسة اللاعبين وحسن تنظيمهم وأيضا دعم غير محدود من الجمهور بغض النظر عن الإنتماء النادوي. ثم جاء التألق الحقيقي في عهد محمود الجوهري الذي أنشأ منتخبا منظما صاحب هوية ونضوج ساهم في تحقيق الفوز على كبريات المنتخبات الآسيوية والوصول إلى ربع نهائي كاس آسيا 2004 والخسارة المؤلمة أمام اليابان بالضربات الترجيحية بعد أن تلاعب منتخبنا بعملاق آسيا وكان يحتاج فقط إلى تسجيل ضربة ترجيحية واحدة من أصل اربعة متتالية وخانه الحظ والتوتر. ومع ذلك فإن الزخم الحقيقي للمنتخب وصل إلى نهايته في المباراة التي إختار فيها الجوهري الدفاع بدلا من الهجوم أمام منتخب إيران في عمان بعد ذلك بشهرين والتعرض لخسارة أفقدت المنتخب فرصة التأهل لكاس العالم وحددت بداية السقوط التراجيدي وفقدان كل الروح والثقة والإبداع والتميز.
الآن وصلنا إلى مرحلة نخسر فيها من كوريا الشمالية وسنغافورة ونتعادل بالكاد مع تايلاند وماليزيا ولكن الأخطر من ذلك غياب الرؤية الفنية للجهاز التدريبي وضعف التنظيم وغياب الإنضباط الفني والسلوكي والبطء والتقاعس في الأداء بالرغم من توفر الإمكانات المالية والمعسكرات الخارجية والرواتب للاعبين يتم وصفهم بالمحترفين. ولكن من الواضح أن الكرة الأردنية توقفت عن إنجاب لاعبين موهوبين ونخرتها أمراض التعصب النادوي وغاب الإنضباط والسلوك الرياضي القويم عن معظم اللاعبين وكل هذا يشكل سببا كبيرا للإحباط في متابعة واقع حالي مؤسف بعد أن وصل المنتخب إلى مرحلة حاز على الإعجاب وأصبح رقما صعبا في البطولات العربية والآسيوية ومصدرا لفخر كافة الأردنيين.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور