تحبس الجامعات الأردنية أنفاسها انتظارا لمرحلة حاسمة من تطورها الإداري والتي تتمثل في بدء استحقاقات قانون الجامعات الجديد وتعيين مجالس أمناء الجامعات الحكومية والخاصة التي بدورها ستقوم بالخيار الأهم وهو اختيار رئيس لكل جامعة.

علمتنا تجارب عديدة في السنوات الماضية مدى المشاكل التي يمكن أن تتسبب بها المزاجية في اختيار رؤساء الجامعات ومناقلاتهم ، وعلمتنا التجارب الإدارية أيضا أن أكبر الخطايا في الإدارة هي وضع الحسابات الشخصية في مقدمة العوامل التي يتم من خلالها اتخاذ القرارات في المناصب العليا وخاصة الاكاديمية منها. ان الجامعات الأردنية في هذه الفترة الحساسة تحتاج إلى قرارات شجاعة وشفافة ومنطقية لاختيار مجلس الأمناء الأفضل والرئيس الأفضل لكل منها.

لا يعني القانون بالطبع الإطاحة برؤساء الجامعات الحاليين لأن قرارا كهذا سوف يسبب إرباكا كبيرا في القطاع الأكاديمي ، وهناك العديد من رؤساء الجامعات الذين أبلوا بلاء حسنا وأداروا جامعاتهم بطريقة صحيحة وساهموا في تحقيق التطور ولكن أيضا هناك بعض الرؤساء الذين فرضوا نمطا إداريا قمعيا واتخذوا قرارات مبنية على حسابات شخصية أو جهوية أو بعيدة تماما عن المقاييس الأكاديمية وكانت لها تبعاتها السلبية على أداء الجامعة ، وليس من المنطقي مكافأتهم على أخطائهم بتجديد الثقة بهم.

يتألف مجلس الأمناء للجامعات الحكومية بحسب قانون الجامعات من رئيس واثني عشر عضوا ممن يحملون الدرجة الجامعية الأولى كحد أدنى وهم أربعة أعضاء أكاديميين ممن يحملون رتبة الأستاذية من خارج الجامعة وثلاثة أعضاء من قطاع الصناعة والتجارة وأربعة أعضاء من المجتمع المحلي للجامعة من ذوي الخبرة والرأي إضافة إلى رئيس الجامعة. هذه التركيبة المتنوعة تحاول أن تدخل البعد الأكاديمي المحايد وكذلك دور رجال الأعمال خاصة إذا ما تم اختيارهم بطريقة صحيحة وضمن مواصفات تساعد على تقديم الدعم المالي للبحث العلمي في الجامعات ، بينما تبقى طريقة اختيار الأعضاء الأربعة من المجتمع المحلي غير واضحة المعالم خاصة في تعريف "المجتمع المحلي". أما الجامعات الخاصة فهي دائما تحت سيطرة أصحاب هذه الجامعات والمستثمرين فيها ولم يغير القانون الكثير من نمط الحاكمية فيها بل أعطى أصحاب الجامعات أدوات إضافية للتحكم والتدخل ، وذلك بفضل مساعدة هائلة من مجلس النواب أثناء مناقشة مشروع قانون الجامعات.

مجلس الأمناء ستكون له صلاحيات عالية لعل أهمها تحديد رسوم الساعات الدراسية وإقرار الموازنات وحشد التمويل بمعزل عن مجلس التعليم العالي والحكومة وهذا ما قد يفتح المجال أمام زيادة الرسوم الجامعية والتوجه التدريجي نحو خصخصة التعليم العالي. أن الخصخصة هي بالفعل الوجه الثاني من عملة "استقلالية الجامعات" ومن المتوقع أن يتم إحداث تغيير جذري في السياسات المالية للجامعات لا يكون في مصلحة الطلاب وقدراتهم المالية.

ولكن المهمة الأصعب أمام مجالس الأمناء هي استعادة السمعة الطيبة والأداء الأكاديمي العالي للجامعات الأردنية والاحتفاظ بالمتميزين من أعضاء الهيئة التدريسية قبل أن ينتقلوا إلى الخارج ورفع سوية البحث العلمي وإيقاف انتشار الجهوية والعنف المرافق لها في المجتمعات الجامعية وكذلك تحرير الطلبة من القيود التي تمنع نشاطاتهم الإبداعية بحجة عدم التدخل في السياسة.

تعيين أعضاء مجالس الأمناء واختيار رؤساء الجامعات هو امتحان جديد وصعب لنمط الإدارة الأردنية ولكننا نبقى نحمل الأمل في أن يتم تقديم الكفاءة والمصلحة العامة على الحسابات الشخصية والعائلية والصداقات والعداوات في تحديد الأسماء ، وانا لمنتظرون.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور