قد يقضي الإنسان عمره كاملا وهو يبحث عن الحقيقة ويأمل في إيجادها. وقد تكون موجودة في مكان ما قريبة جدا من الإحداثيات التي يقف عندها.
أمس، جلست أفكر: لماذا يظن خبراء معتّقون في السياسة، أن لدينا مشكلة في عدد المرشحين للانتخابات، ثم يرتجلون ويقترحون تخفيض سن المرشح من 30 عاما إلى 25 عاما، بحجة الرغبة في مشاركة قطاع الشباب؟ حسناً، لكن هذه ليست المشكلة الحقيقية، بل المصيبة الكبرى لدينا تكمن في أعداد الناخبين، وليست أبداً في مشاركة الشباب أو في أعداد المرشحين؟
في قراءة بسيطة للانتخابات الأخيرة، التي أنتجت مجلس "ثقة 111"، نجد أن نسبة الاقتراع التي أعلنتها الحكومة لانتخابات 2010 كانت 53 %، وبلغ عدد الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات 2.370 مليون ناخب، بينما شارك فعلا 1.257 مليون ناخب فقط. ونلاحظ ببساطة واهتمام شديد، أن هذه النسبة هي التي بحاجة للزيادة، وأن الواجب يستدعي من كل المعنيين في اللجان ومن الخبراء والحكماء والحكومة والنواب والأعيان والإعلام والإصلاحيين والمحافظين والمعارضة العمل في كل اتجاه لرفع هذه النسبة لتصل إلى 100 %، وهذا هو المهم وهذا هو الإنجاز الذي يستحق الانحناء والتصفيق. 
الإحجام عن المشاركة في انتخابات 2010 كانت له أسباب تتلخص في أحادية قانون الصوت الواحد، وفرض الدوائر الوهمية غير المفهومة، والتهديد بسحب الجنسيات، وتهميش وإقصاء المعارضة خارج اللعبة السياسية ووقوفها ضد الانتخابات. وأظن، والله أعلم، أن هذا سيحدث مرة أخرى، مع قانون الانتخاب الجديد الذي تنوي الحكومة تقديمه لمجلس النواب ويتضمن فقط 15 مقعدا للقائمة الانتخابية على مستوى الوطن، بينما تطالب المعارضة بتخصيص 50 % من مقاعد قائمة الوطن والتي قد تبلغ حوالي 60-70 مقعدا، فأين هم "الخبراء" لتقليص هذه الفجوة العميقة؟
ثم توقفت عند سؤال آخر حيرني: من هو الشاب الأردني القادر على خوض غمار انتخابات نيابية تكلف مبلغا يتراوح بين 25-100 ألف دينار وهو في سن 25 سنة؟ أتصور أن يأتي من يقترح غدا أن تصرف الدولة مبلغ 25 ألف دينار كمعونة لكل شاب يفكر في خوض الانتخابات، كما تفعل بعض الدول الثرية!! كذلك، كنت أتوقع من لجنة مراجعة الدستور أن تضع مع تعديلاتها توصية بضرورة عرض التعديلات على الشعب، من خلال استفتاء عام. وهذه مسألة أساسية في العقد الاجتماعي الذي يتم تعديله حاليا، وهي سهلة جدا وليست معقدة، كما يظن البعض. وكذلك نأمل عدم التعجل في إقرار التعديلات قبل التفكير مليا في أهمية أن تكون الحكومة منتخبة يصادق عليها ويقيلها جلالة الملك خلال فترة تهيئة من 4-8 سنوات، فنحن لا نعدّل عقدنا الاجتماعي كل يوم، وقد تمر سنوات طويلة قبل أن نتوقف عند هذه الإحداثية مرة أخرى.
 

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جلال الخوالدة